Quantcast
Channel: Arabi Blog on The Huffington Post
Viewing all 13463 articles
Browse latest View live

"حواديت" أنا وجدي وقريتنا.. وحب قديم

$
0
0
(1)


ماذا لو متُّ الآن وأنا لم أكتب شيئاً؟ كان سؤالاً بديهياً وجهته الرائعة رضوى عاشور إلى نفسها، في أزمتها الصحية أوائل الثمانينات، كان حديثاً صحفياً مطولاً، مغزاه هو سؤال واحد: لماذا تكتب رضوى عاشور؟

هنا تختلف الإجابات، لم تجد الرائعة رضوى إجابة محددة للسؤال، وأنا قد أجيب بأني أكتب حُباً للكتابة، وأنت قد تكتب؛ لأنك لا تملك سوى الحروف كي تقول ما بداخلك، وغيرنا يكتب؛ لأن صوتاً داخله يحكي له الحواديت ولا يهدأ، ويكتب؛ لأن الحواديت لم تُروَ لتقف عنده، إنما يحكي من الماضي ما ينير المستقبل.

الطريق نحو المستقبل دائماً تكون بدايته في الماضي، في تجاربه، وخبراته، وانتصاراته، وانكساراته، عندما ندرك ذلك جيداً، يكون حاضرنا أقل أخطاء، وأكثر حرصاً، ومستقبلنا أكثر نُضجاً واتزاناً، ولذلك نحكي.

(2)


" كُل واحد مننا يركب حُصان خياله.. درجن، درجن، درجن"!

يوماً ما لم أكُن من هواة الأفلام، وخاصةً الأفلام العربي، أذكر أني كنت طفلاً في غاية السطحية، لا أهتم بأي شيء في الفيلم، سوى ممثل معروف، وعدد من الإفيهات، حتى كبرت قليلاً، وشاهدت فيلماً ما، بالنسبة لي وقتها، كان مملاً، لم أفهمه، ولم أفهم مغزاه، ولم أهتم حتى لكثير من الجُمل التي قيلت، ولم أكمل الفيلم لنهايته.

ثم كبرت أكثر، وسمعت أغنية تُغنى على عود، تقول: "كل واحد مننا يركب حصان خياله"، في هذه المرة، أثارت انتباهي، أذكر أني سمعت تلك الجُملة من قبل، لكني وقتها لم أهتم، لم أفهمها إلا عندما كبرت.

بمرور الوقت، أصبح فيلم "الكيت كات" مُفضلاً، أشاهده مرة كل عدة أيام، حفظت جمله الحوارية، كانت حكايات حكاها الشيخ حُسني، أو يوسف، واستمعت إليها صغيراً وكبيراً، أصبح بالنسبة لي الشيخ حسني أيقونة، أعمى وسط ناس مفتحين، يغمض عينيه وقتما يشاء، ويفتحهما عندما يريد، يعيش الحياة كما يريد هو، وليس كما تريد منه الحياة، لا أنكر أن حكايات ذلك الفيلم عرفتني على العود، للدرجة التي جعلتني أشتري واحداً، دون أن أجيد الضرب عليه.

"ستي قالت لي إن العفريت أكل عقل أبويا وخلاه خدامة، عارفة كنت بعمل إيه؟ كنت بجيب سكينة طويلة وأربطها في طرف عصاية، وأدخلها جوّا العود، وأنغز بيها العفريت، لحد ما أمي ماتت، قلت يلا خليه يموتني، مسكت العود وغمضت عينيا وقعدت أعزف أعزف، وبعد شوية سِبته وبعدت بعيد وقعدت أترعش، ومن يومها صاحبته، خليت العفريت يغني...".

(3)

"جدو يا طيب يا أبو عصاية من فضلك احكي لي حكاية"..


كُنت في أسوان، وفي اليوم التالي لعودتي، قررت زيارة جدي في "البلد"، كنت أشعر أني بحاجة لمزيد من الحديث مع أناس طيبين، هؤلاء الذين التقيتهم هناك، لن أجد أحداً في مثل طيبتهم إلا جدي.

كنت أرغب في أن أحكي له عن رحلتي إلى أسوان، استجمع هو ذاكرته، وحكى لي: كان تجنيده في مدينة أسوان، ثم سألني: "رُحت خزان أسوان؟"..

قبل 56 عاماً من الآن، كان جدي واقفاً في نفس المكان الذي مررت منه بالأمس.

حكي لي عن تاريخ 9 يناير/كانون الثاني 1960، وهو تاريخ زيارة الراحل جمال عبدالناصر والملك محمد الخامس ملك المغرب وقتها لأسوان، عندما كان هو جندياً واقفاً على المدفعية.

أنا على يقين أن جدي لا يمكنه تذكر ماذا تناول بالأمس على العشاء، يشكو كثيراً من آلام الظهر، ومع ذلك ينسى تناول أدويته بشكل مُنتظم، يواظب على الصلاة في المسجد، لكنه دوماً ينسى ساعة يده في مكان الوضوء، ينسى كل ذلك، إلا أنه تذكر يوماً مر عليه نصف قرن وأكثر قليلاً.

في ذلك الوقت، كان قطار الصعيد أثناء عودته يقف في محطة المنيا، بجوار قطار للبضائع، مُحمل بالقصب الصعيدي، هنا ابتسم جدي ابتسامته العريضة، وهو يقول: "كان العساكر ينطوا على قطر البضاعة يجيبوا القصب، ونفضل ناكل منه لحد ما نوصل، ونسيب الباقي في القطر كمان".

لعل تقدم سن جدي أثر على ذاكرته قليلاً، لكن ذلك لم يمنعه من تذكر كل جميل مر عليه في حياته، لعله ينسى أشياء مكررة تحدث كل يوم، لكنه يحتفظ في عقله بأحداث مُتفردة حدثت في حياته مرة واحدة فقط.

زيارة رئيس، أول مُرتب، وأول رحلة حج، كلها أشياء، قبل ذكرها، تُزين بـ"أول"
ذلك لأن المرات الأولى من كل شيء لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة.

أي رزق هذا الذي رُزقت به؟ أسير جانبه في بلدنا، يقف له الكبير والصغير، "إزيك يا خال - اتفضل يا خال - أشيل عنك يا خال"، حتى أن أطفال قريتنا عندما يرونني يقولون لي: يا خال!.
الجدود رزق، وحكاياتهم رزق، وتلك اللحظة التي يضحكون فيها، عند تذكر شيء جميل من ماضيهم، نعمة من أعظم نعم الله.

(4)


"وقريباً تكبر يا ولدي.. وتريد الدمع فلا يجري".


عندما تُهت لأول مرة في حياتي كنت في الخامسة من عمري، في بلدنا، قريتي التي نشأ فيها أبي وأمي، مشيت دون معرفة إلى أين سأصل، تماماً كما أفعل الآن، لكني وقتها تُهت.

المنازل التي أعرفها تستبدل بأخرى لم أرَها، وجوه أهل البلد المألوفة تتغير، كل شيء يتغير تدريجياً، كلما خطوت خطوة، اتجهت إلى ذلك الذي لا أعرفه، كان لدي كبرياء داخلي منعني من البكاء أمام أهل القرية، ذلك لأن في عقيدتهم- إن ما فيش رجالة بتعيط- لم أفهم وقتها أني صغير، وأن بكائي الآن وأنا تائه ليس ذنباً، ولو كان، فإنه مغفور، فصممت أن أكون كما الرجال.

سألت رجلاً كبيراً عن منزل الحاج كمال (جدي) الذي يقع أمام مقام الشيخ، صدمني وسألني هو: إنت إيه اللي جابك هنا؟.. وضعني على ظهر حمار، لأول مرة في حياتي، وكنا حينها أربعة، أنا وفاعل خير سيعيدني إلى المنزل، وخوفان؛ أحدهما من الحمار، وخوف التائهين.

ظل خوفي يقل شيئاً فشيئاً، كلما شعرت باقتراب عودتي حتى رأيت المنزل، وجدي، حينها اختفى خوفي تماماً، وعاد كبريائي ثانيةً، كما لو كان كبريائي الذي أظهرته حقيقياً.

في المرة الثانية، كنت أكبر قليلاً، كنت ألعب بالطائرة الورقية مع ابن خالتي، واثنين من الأصدقاء (زياد وعمر)، كانا جيرانه، وكنا نلعب قرب منزلهم، نربط الطائرات، كل واحد في "جادون عجلته"، ونطير نحن بالعَجَل؛ لتطير خلفنا الطائرات.

في غفلة ما، وجدت نفسي وحيداً، في أرض زراعية، قدماي قد غرستا في الطين، وسبقتهما الدراجة إلى ذلك، والطائرة محطمة على الأرض، أين ذهب من كانوا معي؟ وأين ذهبت أنا؟ حتى هذه اللحظة لا أعرف، تُهت أنا لفترة، لكن زياد وعمر تاها مني للأبد من وقتها.

في هذه المرة، اختفى كبريائي تماماً، وتعلمت من توهتي الأولى، وبكيت، حتى لا أبتعد عن المنزل، لعل بكائي يشغلني عن المشي، أو لعل رجلاً يراني ببكائي فيعرف حالتي، ويعيدني من حيث جئت.

وأنا أبكي، في لحظة هدوء وحيدة، شاهدت آخِر الشارع الذي أتيت منه، هنا توقف الدمع، رفعت دراجتي، وعُدت بقدم تملؤها الطين، وتركت الطائرة، أدركت أن الرغبة في الطيران حتماً ستؤدي إلى التوهان.

عندما تذكرت ذلك قريباً، أدركت أن البكاء في وقته "مُنجٍ"، فلو كنت بكيت في أول مرة، لم أكن لأبتعد كثيراً، وأن البكاء في غير وقته يعمي عن الطريق، فلو استمررت في البكاء ثاني مرة، لم أكن لألمح لطريق عودتي بداية.

(5)


" جِبت لي صاحب وحبيته"


عندما تقدم صديقي الأول في حياتي لخطبة فتاة أحبها وأحبته، كنت سعيداً للدرجة التي جعلتني أراقب كل التفاصيل، كما لو كانت خِطبتي أنا، لم أصدق حينها أننا كبرنا، وأن واحداً منا وضع قدميه في طريقه المرسوم، وأنها مجرد سنوات قليلة، بل ربما شهور، وسنتساقط واحداً تلو الآخر، كُل في خطوبته، وتخرجه، وأحداث حياته إلى ما لا نهاية.

لدي يقين تام بأن صديقي لم يكبر، ولا أنا، ما زلنا نجلس معاً، نقول كل ما كنا نقول، عندما كُنا طفلين، نضحك كما كنا، ونسهر معاً، نحب نفس الأشياء، حتى صفاتنا لم تتغير.

هناك يوم آخر لم يأتِ بعد، فرصة جديدة؛ لنعيش فيها كما نريد، نستمتع بالعمر، سواء كنت تراه صغيراً كما أراه، أو كبيراً.
في الغالب الاستمتاع باليوم أفضل وأحسن كثيراً من تضييعه، لكتابة عدة جُمل تبدأ بـ"كبرنا يا أمي"، وتنتهي بنصيحة عجوز، على عكس عمر كاتبها!

ما زلنا صغاراً، نرقص كما الأطفال، عندما تسنح لنا الفرصة.

(6)


" يا حزني السعيد.. انتهينا "


لا أتذكر تلك المرة التي كنت فيها في قمة سعادتي، بالتأكيد إنها ليست الآن، وليست أمس، لكنها وفي كل الأحوال، مرت عليّ تلك اللحظة، وعشتها، وستأتي لحظة أخرى، وسأعيشها.. وهكذا.

كتبت ذات مرة أن السعادة قضية تستحق القتال، كما الحرية، وما كتبته هو قناعتي الشخصية جداً؛ لذلك فأنا مؤمن بأنه من يريد أن يحيا سعيداً فليقاتل.

إن هذا الحُزن العميق بداخلنا ليس ضرورياً أن ينتهي؛ لأنه في أسوأ الأحوال سيكون دافعاً أخيراً لإعادة البحث عن السعادة، في طريق آخر.

لعلك في لحظة معينة تجد نفسك تخسر وتخسر، ثم تجد المُحصلة أنك فزت.
ربما خسرت أشياء، أشخاصاً، بل وسنوات من العُمر، لكنك في النهاية كسبت نفسك، هنا لحظة حقيقية جداً للسعادة، وتزداد عندما تدرك أن كل الأبواب المغلقة التي حاولت فتحها تحوي خلفها كثيراً من التعاسة.

(7)


" وهات العُمر مِ الأول"

لم أكتب كل ذلك لأجل أن أكتب والسلام، ولا حتى لأجل أن أحكي والسلام، فكل منّا لديه من الحكايات ما يكفي لملء كتب بأكملها، إنما كتبت لتوثيق لحظات عابرة قد لا أتذكرها مرة أخرى.

أوثق أني أفعل، كما فعل الشيخ حُسني، عندما ركب الموتوسيكل وهو أعمى، أثناء سيري بالسيارة في عمق الليل، وأفتح زجاجي، حتى يصطدم الهواء بوجهي، وأني أمشي كما يمشي يوسف عندما كبر، و(بقى عايز يطير، مش عايز يلمس الأرض).

أسجل أني تُهت، وبكيتُ، وعدتُ، وركبتُ قطار الصعيد، ومررتُ من حيث مر جدي، دون أن أعرف.

أدوّن لحظات كتب عنها غابرييل ماركيز عندما قال: "لقد تعلمتُ منكم الكثير أيها البشر، تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل، غير مدركين أنّ سرّ السعادة تكمن في تسلقه.
‎تعلّمت أنّ المولود الجديد حين يشدّ على إصبع أبيه للمرّة الأولى، فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد".

‎أبروز عدة حكايات حتى تتسنى فرصة أخرى لأبروز حكايات أخرى؛ ذلك لأني أرى في كل ما هو ماضٍ مرآة لما هو قادم.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دعونا نحافظ على مابقي من انسانيتنا

$
0
0
أينما وليت وجهك تجد صور شهداء وجرحى القصف على حلب، صور مؤلمة ومفجعة. أناس أُخرجوا من تحت الأنقاض موتى أو جرحى، أحياء دمرت وتحولت الى أحياء أشباح بعد أن كانت تعج بالحياة...لكن ما الهدف من نشرها؟ ما الهدف من نشرها مرفقة بضع اعجاب وادعوا لإخوانك في سوريا أو العراق أو فلسطين أو بورما ما الهدف من إضافة عبارة سيخبرون الله بكل شيء أو أدعية وأبيات شعرية وغيرها من العبارات؟ هل الله لا يعلم بما يحدث؟ هل يحتاجون لإخبار الله بما حدث لهم؟

جميل ان تتضامن مع الضحايا، ان تشعر ولو بالقليل مما يشعرون ان تحسسهم بأنك معهم بالوسائل التي تملك سواء بمساهمات مادية او دعاء في صلاة او التنديد وتغيير صورة بروفايل،لكن لا فائدة من نشر صور اشلائهم و صور موتاهم،لا فائدة من عرض ضعفهم و عجزهم وانكساراتهم. بل بالعكس نشرها يجعلنا نتطبع مع الموت، ومع الحروب والجرائم.

من منا لا يتذكر الطفل محمد الدرة الذي استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أتذكر كيف أحدث استشهاده ضجة عالمية، خرج الالاف عبر العالم للتنديد بالحادث، كانت طريقة قتله في ذلك الوقت مفزعة ومرعبة. في الذكرى الأخيرة لاستشهاده أعيد نشر الفيديو لا أنكر أن المشهد لا زال يؤلم والقتل لا يبرر مهما حدث، لكن لا يقارن بصور وفيديوهات القتل والدمار التي شاهدنا

في السنوات الأخيرة،لقد تشبعنا بصور الاشلاء والدم والقتل أصبح فيديو الدرة شبه عادي فعلى الاقل لم يمثل بجثثه ولم تمزق اشلاءه ولم يحرق حي و لم يكن نائما في بيته ونزل برميل متفجر حول البيت الى ركام وسكانه الى جثث هامدة، ولم يركب البحر هربا من الحرب لتلفظه الأمواج او يأكله السمك.

كان يخيفنا منظر الحرب في فيلم سينمائي ونتفادى رؤيته، والان أصبحنا نشاهد مئات الصور والفيديوهات لكل أنواع الدمار والقتل، تتعدد الأسباب بين من يقتل باسم الدين ومن يقتل باسم الوطن ومن يقتل باسم القبيلة والانتماء لكن الضحية واحدة، أناس أبرياء،كل ما يتمنونه هو الحق في العيش والأمان والسلم.

المشاهد التي كنا نراها في الافلام وتجعلنا نمتنع عن الطعام ولا نستطيع النوم، أصبحنا نراها حقيقة على القنوات التلفازية وعلى مواقع التواصل والمواقع الإخبارية...لم تعد تسبب لنا الارق ولا تمنع شهيتنا عن الطعام،وفي أحسن الحالات وللحفاظ على ما تبقى من انسانيتنا نغير القناة لنستمتع بحياتنا، وأصبح العديد لا يجد حرجا في تناول غذائه امام شاشة تنقل القتل والخراب. و أكثر من ذلك اصبح العديد يتاجر بدمائهم سواء بالبحث عن اكبر عدد من المشاهدات او جعلهم وسيلة لانتشار صفحاتهم ومواقعهم.

صحيح أن للصور والفيديوهات أهمية كبيرة في نقل الاحداث وايصال الحقيقة لكن كل شيء يزيد عن حده ينقلب الى ضده، فانتشارها يفقد الموت حرمته، والتضامن قيمته، و يجعلنا نتطبع ونتعايش مع الدماء.

ارجوكم دعونا نحافظ على ما تبقى من إنسانيتنا، لا نريد أن نرقص على دماء الآخرين، لا نريد أن نتابع أخبار الحروب مثل ما نتابع أحداث مسلسل، لا نريد أن يأتي يوم نرى طفلاً ميتاً او امرأة مجروحة أو رجل يبكي أهله ونضغط زر الإعجاب أو نمر دون أن يحرك فينا الأمر شيئاً، لا نريد أن نصبح قتلة من نوع آخر، لا نريد أن ناكل شريحة خبز ونحن نشاهد أشلاء إنسان، ولا نريد أن نشرب كوب شاي ونحن نشاهد دماء إنسان تنهمر.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زهرة على شكل ابتسامة

$
0
0
كان الصباح كريماً. هدوء في الخارج ونسمات لطيفة تزيح الستارة لتدخل وتجوب الفضاء فوق السرير. بقايا نعاس، ورائحة مسحوق غسيل تختلط برائحة القهوة القادمة من شرفة الجيران، هذا أول ما شغل حواسي لحظة استيقاظي من النوم. جلستُ على طرف السرير وشردت بعيداً ثمّ تذكّرت أنني أفعل هذا كلّ يوم فهززتُ رأسي وابتسمت! ثمّ وجدتني أسأل نفسي: لماذا نبتسم لمثل هذه الأفكار البسيطة؟ ما الذي يجعل من الجلوس المتكرر صباح كل يوم على طرف السرير موضوعاً يستحق الابتسام؟ ولكن رغم ذلك قلت: جميل أن تبدأ نهارك بابتسامة لأيّ سبب كان.

"فيكي"، القطة التي ورطتنا بها ابنتي تقف في باب الغرفة وتراقبني بفضول! أنظر إليها وأقول بصوتي المبحوح: "مياو فيكي" فترد التحية: "مياو" ثم تستدير وتذهب إلى الصالون. أبقى جالساً لعدة دقائق أصحو فيها أكثر، فأنهض وأمشي حافي القدمين باتجاه الصالون.

لا أحد في المنزل! الجميع في الخارج إلّا "فيكي" التي رأيتها من جديد جالسة على "إفريز" النافذة تراقب عدة عصافير تتقافز على أسلاك الكهرباء. أدنو منها محاولاً مداعبتها إلّا أنها تتملّص من يدي وتتنحى جابناً لتتابع العصافير هناك. أتركها لشأنها وأجلس على الكنبة الطويلة حيث وجدتُ جوّالي. أفتحه، فأجد أن لا مكالمات فائتة ولا رسائل لم تقرأ ولا إشعارات من أي نوع. أقول: "لا أخبار جديدة، إذاً كل شيء بخير"! ثمّ أنتبه إلى شحنة التشاؤم الموجودة في هذا القول، فأوبخُ نفسي وأردد في ذهني: "جميل هذا الصباح، حياتي بسيطة، هادئة، عندي عمل، عندي عائلة، عندي أصدقاء لا يتصلون بي، عندي بيت فيه قطّة تراقب العصافير وتقول لي مياو عدّة مرّات في اليوم، عندي وجع في الظهر لا يمنعني من القيام بأعمالي اليومية، وعندي ما يشغلني ويخفف عنّي وجع الرأس، فماذا أريد بعد؟!"

فكرتُ للحظة أن أشغّل التلفاز، إلّا أنني تراجعتُ حين تخيلتُ الشريط الأخباري "الأفعى الحمراء" ينسلّ أمامي حاملاً معه أخبار الموت. هكذا كنتُ أرى الأمر، والأصح هكذا كنتُ أحب أن أرى الأمر مع معرفتي أن هناك الكثير من الأخبار الأخرى التي لا تتعلق بالموت تمرّ فوق هذا الشريط، لكن من كانت بلاده في مهب الريح سيجد نفسه باللاشعور يلاحق أخبار الموت والقتل والدمار ليس من باب التشاؤم الذي لا أحبه كما ذكرت منذ قليل، لكن بحثاً عن زهرة بريّة تنبت وتخرج من بين الركام، حيث من المفترض أن تنبت وليس من أي مكان آخر. زهرة تأخّر ظهورها حتّى كدنا ننسى ماذا ننتظر وانشغلنا عنها بآلامنا وربما حاولت الخروج ولم تجد من يرويها بحفنة من الماء ويحميها من حوافر الموت.

لم أشعر بحاجتي لأي شيء! كنتُ جالساً دون هدف أحدّق في الجدران حيث علّقت بعض اللوحات الفنية التي جاءتني كهدايا من أصدقاء صاروا اليوم خارج البلاد ولم يبق من ذكراهم سوى هذه الألوان تشاكسني وتحول بيني وبين الانسياب إلى الحالة التي أحب. حالة الرحم الفكري العميق، المظلم، الهادئ، البارد، البعيد عن معسكر الوعي. الغارق في الصمت. لكن هذا لم يحصل إذ يبدو أنني غير مستعد لهذه اللعبة بعد.

هل هناك فعلاً خالق لهذا الكون؟ وجدتني أسأل نفسي هذا السؤال دون سبب ودون مقدمات! ثم توالت الأسئلة: ماذا سيحصل إن تعرضت الأرض لكارثة كونية ودُمّرت وتحولت إلى غبار كوني؟ من سيعي هذا الكون؟ هل الكون موجود خارج وعينا بالفعل؟ إن كان هناك خالق لهذا الكون هل هو نفسه الذي يعبده البشر اليوم؟ الله الذي خلق رائحة الحبق والجوري والفل والياسمين.. هل هو نفسه الذي يريدنا أن نأكل في الوقت الفلاني أو نصوم في الوقت العلاني وسيعاقبنا إن لم نفعل؟ هل الله الذي خلق المجرّات والأكوان بكل ما فيها من عظمة هو نفسه الذي يريدنا أن نذهب وندور حول الكعبة سبع مرّات.. إلخ. ثم نمسك الحصى ونرمي به الشيطان مجسداً بعمود من الأسمنت! غريب هذا الأمر!

يمكنني افتراضياً الإيمان به كخالق للزهور والماء والإنسان والنسمات العليلة والبرد والثلج وكل الأشياء الأخرى الموجودة في الطبيعة مهما كانت قبيحة أو جميلة، مفيدة أم مضرّة.. إلخ. يمكنني الإيمان به كخالق لكل ذلك، لكن يصعب عليّ مهما حاولت أن أصدّق أنه يريد مني قتل من لا يؤمن به، أو قطع يد من يسرق، أو جلد من يزني، أو رجم من تزني حتى الموت حتى لو كان هناك ألف شاهد شاهدوا بأم العين عملية كيف دخل المرود بالمكحلة وبالتفصيل الممل.. إلخ. وأرى أن هذه القوانين والشرائع وضعها الإنسان لغايات في نفسه طورها عبر التاريخ حسب حاجته لها، كما طوّر بقية الأشياء التي احتاجها، ولا علاقة لله بها إلّا كعلاقتي بمواء "فيكي" الغريب وبسلوكها ومشاعرها، وهي تراقب العصافير من خلف زجاج النافذة كل يوم.

فراشة صغيرة ترفرف خلف زجاج النافذة، فراشة مضطربة تريد الدخول للوقوع بين فكي "فيكي" التي استنفرت لمشهد الفراشة وتحفّزت إلى أقصى حد. منظر الفراشة أخرج "فيكي" من حالتها كما أخرجني من شرودي وأعادني إلى الواقع لأسمع أصوات الحياة بدأت تدب في الخارج ولأسمع صوت طرق خفيف على الباب.

فتحت، لأجد طفلة لا تتجاوز خمس سنوات من العمر، في يدها ورقة كُتب فيها "ساعدوا هذه الطفلة. فقدت أهلها كلّهم، وهي خرساء وصمّاء". كانت الطفلة تبتسم ابتسامة تزيح القلب من مكانه، ابتسامة تشبه زهرة خارجة من تحت الركام للتو، وكان الله يومئ لي من بعيد بإشارات مبهمة، ولم أفهمه!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصر على طريق سوريا والعراق

$
0
0
"نحن لسنا في ظروف تقليدية، نحن الآن في حرب وهناك مؤامرة كبرى يقودها العالم للهجوم على النظام وتقويضه".

"حرية الرأي وفكرة الصحافة المستقلة قد تكونان ترفاً عندما يكون الوطن في مواجهة حرب تهدد وجوده".

قد تكون هذه العبارات مألوفة للسمع في مصر، ولكنني سمعتُها ودونتُها من واقع زيارة قمت بها لسوريا منذ نحو عشرة أعوام، شاركت وقتها في ندوة كانت في ختام دورة تدريبية نظمتها "بى. بى. سي" في العاصمة دمشق، لا أكاد أذكر من هذه الزيارة شيئاً على الإطلاق باستثناء هذه الخلاصة من الحوارات التي صكت سمعي، واستغربت صدورها في ذلك الحين من صحفيين ومسؤولين.

لم يكن يدور بخلد من رددوا هذه العبارات، أن القمع والديكتاتورية والتعذيب والانفراد بالرأي لا يمكن أن تكون وصفة سحرية للحفاظ على الوطن، وأن الوصفة المعروفة والمجربة هي: التنوع، والتعددية، والشفافية، والمحاسبة، والتخطيط، وإرساء دعائم مجتمع العدل والقانون.

ومن المثير للدهشة أن يستخدم مؤيدو الفاشية والديكتاتورية في مصر النموذج السوري بالتحديد ليدعم رؤيتهم "الوطنية" الحقة، ويتعاموا لسبب ما عن حقيقة أن سوريا آلت لما آلت إليه؛ لأن قيادتها انتهجت المنهج ذاته الذي يدعون إليه ويروجون له.

لا تكف آلة التوجيه المعنوي المصرية عن استخدام سوريا والعراق وقوداً ليدفع الناس في مسار مطابق، لا يمكن له أن ينتهي إلا بحالة مشابهة، بعد المحاولات الدؤوبة لاغتيال منظمات المجتمع المدني، وحالة التصحير الكامل لمسارات التنوع السياسي والإعلامي.

لهذا السبب لا يبدو غريباً أن تتماهى أبواق الفاشية والديكتاتورية في مصر مع حالة الديكتاتور السوري، إلى الحد الذي جعلهم يؤيدون نظام بشار بنفس الهمجية التي طبعت مؤيدي نظامه، في كل مرة يتم فيها قصف المدنيين والأطفال، وارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية.

ما يجري في حلب بالنسبة لهم مبالغة لا معنى لها، وصور القتلى تحت أنقاض المستشفى الذي قصفته قوات النظام "مضروية"، و"الولولة" على المدنية التي "تزعمون أنها تحترق" لا تعدو أن تكون جزءاً من "تعليمات من قطر وتركيا".

يدفعون مصر في نفس مسار سوريا الذي نعرف اليوم إلى أين ينتهي، أكثر مما كان المسؤولون السوريون يعرفون، عندما لاكوا نظريات المؤامرة وتنظيرات حماية الوطن بالقمع.

في هذا العهد المبارك تحتل مصر المرتبة 159 على مستوى العالم ضمن المؤشر العالمي لحرية الصحافة، وبين نحو عشرين دولة في العالم العربي نتربع في المرتبة السادسة عشرة، وطبقاً للجنة حريات نقابة الصحفيين، فهناك أكثر من 42 صحفياً بين محبوس ومهدد بالحبس، بخلاف صدور أحكام غيابية بالحبس في قضايا نشر. في أسبوع الغضب، تم توقيف واحتجاز أكثر من 46 صحفياً أثناء تأدية عملهم، فيما تم اقتحام منازل آخرين أكثر من مرة، ومنهم عمرو بدر ومحمود السقا من "بوابة يناير" المعروفة بخطها المستقل.

يحدث هذا وسط صمت وأحياناً مباركة من قطاعات واسعة، تم اختزال مفهوم الوطن لديها في تصور هلامي، جرى تسويقه شعبياً ليصبح مفهوماً فضفاضاً يستثير المشاعر وتفيض الأحاسيس عند ذكره دون أي معنى.

وطن لا علاقة له بالبشر الذين يعيشون فيه، ولا بالأرض التي ترسمها حدوده، ولا بالقيم التي تحكم العلاقة بين أفراده والسلطة التي يختارونها، كلها يمكن انتهاكها أو التنازل عنها؛ ليظل هذا الوطن كما أرادوه منذ البداية.. وطن حضن.. لهم فقط.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زمن السقوط

$
0
0
كثيرون، وأنا منهم، يواجهون أزمة أخلاقية حقيقية كُلما كَسَتْ مُلصقات الموت الشاشات؛ "لتُزعج" رتابة سلامتنا اليومية، نحن "محظوظو" هذا الزمان البعيدون عن صَهْدِ المعارك، نتردد بين الوجوه الصُفْرٍ أسفل الصورة أو المقطع المصور على صفحاتنا، ننقرها حُزناً حيناً وغَضَباً في أغلب المرات، ثم تتوالى الصور فيتوالى النقر إلى أن نَكَل أو نَخْجَلَ ونحن نقاوم تبلداً حِسياً غامراً بتعليقٍ أو مشاركةٍ، نستسلمُ بعدهما لما لا نستطيع له دفعاً قبل أن نعود لرتابة سلامتنا اليومية، ونتلهى بشأن من شؤوننا إلى حين.

قد تكون هي غريزة البقاء البدائية تتدخل كي لا تطير عقولٌ ولا تضج نفوسٌ من ظلمٍ وقهرٍ بَينٍ نحن عليه شهداء. ربما هو المنطق البشري الانتهازي يراودنا مذكراً أننا لسنا على الطرف الآخر من الشاشة، فنهدأ ونطمئن، ولسان حالنا الحكيم يردد: "c'est la vie".

قد لا تكون هذه المرحلة التي يعيشها العالم هي الأشد دموية في تاريخه، فليس أكثر من ملاحم القتل والاستباحة في ماضي بشريتنا "المجيد"، ولكنها بالتأكيد المرحلةُ الأشد سُقوطاً.

إذا استثنينا النصف الثاني من القرن الأخير، فإن أغلب فضائع الماضي لم تكن معلومةً في حينها لدى معاصريها -أعني البسطاء من الناس أمثالنا- ولأنهم تابعوها بشكل مُباشر وطالعوا تفاصيلها مع اللقمة والرشفة وبين الركعة والسجدة، حتى أصبحت أمراً طبيعياً، طالما أنه يحدث للآخرين فقط على الطرف الآخر من الشاشتين.

هذه المرحلة هي الأكثر سقوطاً؛ لأن أمماً من قبلنا خلت لم تدعِ ما ندعيه من رشادٍ وبلوغ إنساني، شيدنا معه وبه قلاعاً من ورق تنتصر لحقوق سميناها بكل صفاقة حقوقاً أساسية وأصيلة دونها "السيف".

سقوط هذه المرحلة التاريخية سُقوط ثلاثي: للفعل والفاعل والشاهد عليهما، وهو بذلك سقوط أخلاقي عظيم لمجموعات بشرية بأكملها ولنظم سياسية ودينية ولأفكار وقيم تقوم عليها أساسات مدنيتنا العتيدة، تَساوى في ذلك مَن في شمال الكوكب ومَن في جنوبه، وهؤلاء في شرقه وأولئك في غربه، الكل وَقُودٌ لزمن السقوط.. إلا ما رحم ربي.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

اللغة البارزانية الناضجة وصبية العملية السياسية في العراق

$
0
0
رداً على الأزمة السياسية الجارية والفوضى الحاصلة في بغداد، وصف الزعيم الكردي مسعود البرزاني ما حدث في البرلمان بالأمر المضحك، فيما أشار إلى الحكومة بـ"الصبية". وقال البرزاني: "إن من يحكمون العراق حالياً هم صبية العملية السياسية، يفكرون في مصالحهم أولاً وليس لديهم أي خبرة، والأمور كلها ترجع إلى أحزابهم وكتلهم التي تدار من قبل الدول المجاورة."

لغة الزعيم البرزاني الناضجة سياسياً والعميقة في انتقاء المفردات الوصفية للحالة السياسية في العراق تستحق التقدير؛ لأنها لم تخلُ من الواقعية، وهي ترجمة حرفية للفرق الشاسع بين النموذجين السياسيين القائمين في بغداد وكردستان. و"الصبية" جاءت كتعبير وصفي عن حالة الفوضى التي تسببت بها الكتل السياسية في بغداد والطبقة السياسية بشكل عام.

توجه القوى السياسية الحاكمة في بغداد بشكل مستمر أصابع الاتهام للزعيم البرزاني بالمشاركة في تأزيم المشهد السياسي، وإيصال البلاد لحالة الانقسام، وذلك بهدف تنصل تلك الأطراف السياسية من مسؤولية الفوضى التي تسببوا بها في البلاد على مدار 13 عاماً، إذ لا يُستثنى أي طرف من الأطراف السياسية (السنية والشيعية) من مسؤولية ما يجري في العراق. أما اتهام البرزاني بأنه السبب الرئيسي للدعوة إلى تقسيم العراق فهو يفتقر للمصداقية ويندرج تحت إطار تضليل الرأي العام عن الواقع والحقيقة.

فالذي أنتج نموذج الحكم الطائفي في العراق بعد 2003 هي الولايات المتحدة الأميركية، وساهمت إيران في تكريس المحاصصة والطائفية لضمان سيطرتها التامة على العراق من خلال الأحزاب السياسية الشيعية التي تدار من قبل طهران، وكذلك تركيا التي وجدت مصالحها في العراق والإقليم في مواجهة حتمية مع إيران فعملت على استخدام الحزب الإسلامي السُني (الواجهة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين) والقوى والشخصيات السياسية السُنية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في العراق، ضمن برنامج تبنيها السياسي للجماعة على المستوى الإقليمي.

فالبرزاني لم يكن سبباً رئيسياً لما وصل إليه العراق، وإن كان ينادي بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية على الأراضي الكردستانية؛ فهذا لا يعني أنه يدعو لتقسيم العراق، أو أنه خائن كما تسوق الدعاية السياسية الإعلامية، لأن مطالبته بحق مشروع للقومية الكردية ليس عيباً، والرجل لم يطرح نفسه في يوم من الأيام على أنه زعيم للعراقيين أو قائد للعراق كي يكون بعد ذلك خائناً في نظرهم، عندما يطالب بإقامة دولة للأكراد. إنما قدم نفسه على أنه زعيم للأكراد، مطالباً بحقوقهم في إقامة الدولة الكردية، وهو لم يخدع أمته الكردية أو جمهوره في كردستان كما فعل السياسيون السنة والشيعة مع الشعب العراقي، إنما هو استثمر الظروف السياسية المحيطة به لصالح قضيته القومية، لكن الذين عملوا كأدوات لخلق تلك الظروف السيئة في العراق هم الأحزاب والقوى السياسية السنية والشيعية التي تدار من قبل الدول الأجنبية.

فالدعاية السياسية الإعلامية للقوى الطائفية، إنما تهدف لتهميش وتزوير تلك الحقائق والزج بالبرزاني والمستوى الكردي عموماً في خانة العراق والأزمات التي تسببت بها تلك الطبقة السياسية الفاشلة بحق الشعب العراقي. الوجود السياسي الكردي في بغداد إنما هو تماشٍ مع القرار الدولي في الإبقاء على الأكراد ضمن الجغرافية السياسية للعراق والدول المجاورة، وليس تلبية لرغبة الأكراد أنفسهم والذين عبروا عنها في أكثر من مناسبة خلال الفترات الماضية، فالكل صاروا يعرفون رغبة الأكراد في إقامة دولة خاصة بهم، والتي لن تكون على حساب العراق كما يسوقون السياسيون في بغداد، لأن الأكراد كانوا قبل الآن خلال التأريخ جغرافية إدارية سياسية واحدة متماسكة قسمتها المعاهدات الدولية التي أبرمت بعد الحروب العالمية والأزمات السياسية الدولية كما قسمت المنطقة برمتها. والحق القومي الكردي لا يقوم على حدود كردستان العراق فحسب، إنما حق الدولة الكردية هو (كردستان الكبرى) التي تقوم على الأراضي الكردية في شمال العراق، سوريا، تركيا، وإيران.

نجحت السياسة الكردية فيما فشل به الآخرون في بغداد، النجاح الكردي في إقامة نموذج دولة والإدارة الناضجة لها في ظل بيئة جغرافية إقليمية، رافضة لأن يكون للأكراد دولة مستقلة بهم، يعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها القوى السياسية الكردية في كردستان.

وإن كنا كعراقيين نريد أن نحاسب من ارتكب الجرائم بحق العراق، فعلينا أن نتصدى "للصبية" الحاكمة في بغداد، تلك الكتل السياسية الفاسدة التي أدخلت العراق في دوامة من الأزمات والفتن وساهمت في صناعة الطائفية التي أوصلت البلاد لحال أقرب إلى التقسيم منه إلى البقاء موحداً.

إن الحل الجذري للأزمة العراقية لا يبدأ من داخل المسرح السياسي الحالي على الإطلاق، إنما يفترض العودة للمجتمع السياسي الدولي، لا أقول أن نذهب للدول الكبرى التي ساهمت في إيصال العراق لهذا الحال، إنما للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، للتدخل من خلال دعم حل البرلمان والحكومة معاً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني يرأسها عسكري معروف عنه النزاهة، وعدم الانتماء لحزب سياسي أو يكون تحت مضلة دينية، يتولى إدارة البلاد بدعم دولي كامل في فترة زمنية محدودة، تعمل خلالها الأمم المتحدة بشكل مكثف مع أطراف عراقية عابرة للطائفية على تهيئة البلاد لانتخابات تشرف عليها بشكل مباشر ويتم إعادة النظر في جميع مفاصل وعناصر العملية السياسية التي أثبتت فشلها تماماً، وأن يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بشأن إرسال قوات لحفظ السلام إلى العراق إذا تطلب الأمر ذلك.

أما الاتكال على الكتل السياسية في إيجاد حلول للأزمات في العراق فهو ضرب من الخيال ووهم لأنها عاجزة تماماً ومتورطة بشكل كبير في سرقة المال العام وارتكاب الجرائم بحق الشعب العراقي.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تاريخ موجز عن فن المونتاج السينمائي

$
0
0

2016-05-01-1462139932-5000418-.jpg
الروسي إيزنشتان يقوم بعملية المونتاج


لنتخيَّل فرانز كافكا مخرجاً سينمائياً يقف خلف الكاميرا. الهدوء يعم الوجود استعداداً لبدء تصوير اللقطة الافتتاحية من سيناريو بعنوان: المسخ/المتحول. يصرخ المخرج كافكا: "أكشن".( تصوير داخلي - غرفة نوم - الصباح الباكر : جورج سموسا يستيقظ من النوم ليجد نفسه تحول إلى حشرة كبيرة. نشاهد ج. سموسا يحاول أن يستلقي على ظهره ويبدأ باكتشاف أعضاء جسده الممسوخ، يقوم بمحاولة الاتكاء على كتفه الأيسر فيسقط للخلف ليرى أولاً أقدامه المتحولة.)

ثم يصرخ المخرج كافكا: "كت" ليختفي الصمت ويعم المكان الفوضى. وراء كلمة "كت" حكاية جعلت السينما تصل إلى ما وصلت إليه اليوم في تعدد الخيارات لتقديم هذا المشهد الافتتاحي بلغة سينمائية إبداعية.

في بداية نشأة السينما وفي الجذور الأولى من فن صناعة الأفلام كانت اللقطة السينمائية الواحدة تعتمد على ما تسجله الكاميرا دون أي تدخل أوتعديل، مثل أفلام الأخوين لومير في فرنسا، ومثل أفلام توماس آديسون وأفلام ويليام كينيدي ديكسون في أمريكا، وأفلام تشارلي تشابلن الأولى القصيرة؛ كانوا يعتمدون على التصوير المستمر للمشهد بمعنى عرض اللقطة دون تحريف أوتحرير، المشهد السينمائي هو ما تصوره الكاميرا فقط. لكن بعد ذلك قام الروسي ليَف كُوِليشوف بعمل تجربة على مجموعة من البشر المتجمهرة، تُعرف التجربة بمصطلح "تأثير كوليشوف" وفيها يقوم ليف كُوِليشوف بتصوير وجه رجل لا يحوي أي تعبير ثم يقوم بكت/قص/قطع/تحرير اللقطة، ثم يقوم بتصوير لقطة لحساء ساخن. وبعد ذلك يقوم كوليشوف بسؤال الجمهور عن ردة فعلهم. فتكون الإجابات: الشخص جائع، أوالشخص لا يشتهي أكل الحساء، أوالشخص ينتظر شخصاً آخر ليشاركه الحساء.

ويقوم بعدها كُوِليشوف بعرض تجربة أخرى: نشاهد فيها أولاً لقطة لوجه رجل بدون تعابير ثم قص/قطع، ثم نشاهد لقطة لجسد امرأة ميتة ثم قص/قطع، ليعود للقطة الوجه مرة أخرى الذي لا يحوي أي تعبير. وبعد ذلك يقوم بسؤال الجمهور مرة أخرى عن ردة فعلهم، فكانت الانطباعات: أن هذا الشخص هو القاتل، أو أن هذا الشخص حزين لفقدان زوجته وبعضهم قال حزين لفقدان والدته، ودار هنالك نقاش بين الجمهور عن معنى المشهد المتكون من عملية تجميع لقطات مختلفة. بالتالي استنتج كوليشوف أن اللقطة الواحدة التي تصورها الكاميرا لها معنى واحد وقيمة جمالية واحدة فقط، لكن لو قمنا بإضافة لقطة أخرى لها معنى مُختلف وقيمة جمالية مختلفة؛ ينتج عن ارتباط اللقطتين ميلاد معنى جديد. ويقول كوليشوف في شرح تجربته: "المونتاج يقوم بالإيحاء ووحده المتفرج هو من يصنع المعنى".

ومع العشرينيات الميلادية أصبح المونتاج المكون الأساسي للفيلم، وقام المخرج الروسي سيرغي إيزنشتاين بوضع "نظرية المونتاج" التي تتكون من خمسة أنواع ومنها "المونتاج الرمزي" أي قص/قطع اللقطة لإضافة معنى رمزي. و"المونتاج التسارعي" أي تتابع قص/قطع اللقطات للإيحاء بسرعة الزمن. و"المونتاج الملحون" أي القطع/القص الرثمي للقطات وجعلها تتحرك برثم ملحون. وفي ذلك الزمن كانت السينما صامتة، بالتالي كان للمونتاج أهمية رئيسية في خَلق المعاني وخلق الصور الشاعرية. أبرز أفلام سيرغي إيزنشتاين والتي كانت أمثلة فعلية على نظرية المونتاج هما: فيلم (المدرعة بوتمكين) عام 1925 ميلادي، وفيلم (ثورة أوكتوبر: عشرة أيام تسببت في صدم العالم) عام 1928 ميلادي.

و مع منتصف الثلاثينيات الميلادية حدثت العديد من التطورات في صناعة الأفلام أولها دخول الصوت، ثم دخول الألوان، ثم أيضاً دخول العديد من التقنيات البصرية أبرزها تقنية الثري-دي بمعنى الأفلام الثلاثية الأبعاد. ولم تعد أي حاجة لذلك النوع من المونتاج وتم تقنينه بالتركيز على استخدام الصوت.

وفي الأربعينيات الميلادية تم استخدام المونتاج مع ظهور موجة السينما "الواقعية الإيطالية"، وهنالك خمس قواعد أساسية تتميز بها أفلام هذه المدرسة؛ أولاً: ألا يكون ممثلو الفيلم معروفين أو أحداً من المشاهير. ثانياً: يجب أن يكون جميع أبطال القصة من الهوامش أي من عوام البشر. ثالثاً: أن تقدم قصة الفيلم رسالة تتضمن معاناة اجتماعية. رابعاً: ألا يتم تصوير اللقطات داخل إستديو ويجب تصويرها في الطرق العامة وجسور المشاة والشوارع العشوائية والأحياء الضيقة. خامساً: يجب ألا يتم استخدام المونتاج بطريقة رمزية ويقتصر دور المونتاج على عملية البناء الدرامي التصاعدي للزمن؛ أى يُستخدم المونتاج لخدمة تحريك الفيلم واستمرارية الزمن. ومن أبرز الأمثلة على هذا النهج في استخدام المونتاج هو الفيلم الإيطالي ( روما، المدينة المفتوحة) عام 1945 ميلادي للمخرج روبيرتو روسيليني، وفيلم (سارق الدراجة) عام 1948 للمخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا. - سارق الدراجة تحفة سينمائية تستحق المشاهدة-.

وتميزت هوليوود في الأربعينيات بهجرة العديد من المخرجين إلى أمريكا، فتكدست السينما الأمريكية بالعديد من الأساليب الفنية الأجنبية منها ما يعرف بما يسمى "أفلام النوار" والتي كانت امتداد للسينما "الألمانية التعبيرية". وبالمقابل المخرج العظيم ألفريد هيتشكوك يبدأ بتقديم فلمه الهوليوودي الأول (ربيكا) عام 1940 ميلادي. أسلوب هيتشكوك في استخدام المونتاج هو إمتداد لنظرية المونتاج التي قدمها الروسي سيرغي إيزنشتاين ولكن بطابع بسيط ومباشر وغير مُعَقَّد- ويُعرف بأن هيتشكوك من أنصار نظرية المونتاج الروسية -.

وفي أواخر الخمسينيات قدمت السينما الفرنسية "الموجة الفرنسية الجديدة"، وهي عبارة عن مجموعة من المخرجين المتمردين على السينما القديمة وعلى قواعد السينما. فيأتي المخرج الفرنسي فرانس تروفو ليقدم في أفلامه أمثلة على خليط؛ من مونتاج هوليود في الأربعينيات وخصوصاً أسلوب المخرج ألفريد هيتشكوك، ومن مونتاج السينما "الواقعية الإيطالية"، يصوغها تروفو في وحدة كاملة. أبرز أفلام فرانس تروفو هو فيلم (400 ضربة) عام 1959 ميلادي. وبالمقابل، وفي نفس الزمن يأتي المؤسس الآخر "للموجة الفرنسية الجديدة" المخرج الفرنسي جان لوك قودار حيث إنه يقدم في أفلامه الأولى أمثلة على طريقة جديدة جداً في المونتاج وهي تعرف باسم (جمب كتينق) أي "المونتاج القفزي" وفيه قص/قطع اللقطات دون تبرير ودون أي سبب، في أفلام جون لوك قودار يقوم بقص/قطع اللقطة دون الذهاب للقطة جديدة. وهذا النوع أصبح اليوم مستهلكاً في الإعلانات التلفزيونية التجارية، وكان المونتاج القفزي صدمة سينمائية ثورية ضربها قودار في وجه السينما تسببت في هدم وتمدير كل القواعد الأساسية في صناعة المونتاج السينمائي. أهم أفلام قودار: فيلم (حتى انقطاع النفس) عام 1960 ميلادي، وفيلم (الخارجون) عام 1963 ميلادي.

نضجت السينما وتطور المونتاج حتى وصل إلى نظرية "النحت في الزمن" عند المخرج الروسي آندريه أرسيني تاركوفسكي. سينما تاركوفسكي تُعرف بوصف السينما الشاعرية، والمونتاج عنده هو النحت في الزمن المتدفق عبر الصور المتحركة. التصوير عند تاركوفسكي هو اقتباس الزمن، والنحت هو الإيقاع الكلي لجريان الزمن؛ المونتاج كنحت التصميم الإيقاعي الملائم. يقول تاركوفسكي " المونتاج، كالتركيب، يقاطع مرور الزمن، يعترضه، وعلى نحو متزامن يمحنه شيئاً جديداً. إن تحريف الزمن ممكن أن يكون وسيلة لإعطائه تعبيراً إيقاعيّاً، هو النحت في الزمن"، أبرز أفلام تاركوفسكي: فيلم (آندريه روبليوف) عام 1968، وفيلم (المرآة) عام 1975، وفيلم (التضحية) عام 1986.

أما في التسعينيات الميلادية فكانت أبرز الحركات الفنية في السينما هي حركة "الدوغما 95" من السينما الدنماركية، وكانت تحاول أن تخرج عن نمطية سينما الأفلام الضخمة بوضع عشر قواعد أساسية لصناعة الفيلم ومنها ألا يتم إضافة اسم المخرج للفيلم لمنح الفيلم استقلالية وتحرر تام. حاولت حركة الدوغما 95 أن تتخلى عن دور الممثلين ودور الموسيقى ودور الديكور وحتى دور المونتاج، ولكن الدوغما 95 لم تدم طويلاً حيثُ تخلى عنها مؤسسها المخرج لارس فون ترير. يتشابه مونتاج أفلام الدوغما 95 مع مونتاج التلفزيون بدون رمزية وبدون أبعاد فلسفية ويكتفي بالمساهمة في تركيب قصة الفيلم فقط، أي أنه مونتاج تلفزيوني بحت بكاميرات رخيصة.

في الألفية ظهر مصطلح " مونتاج الهيب هوب" مع أفلام المخرج الأمريكي دارين آرنوفسكي وخصوصاً في فيلم "مرثية حلم" عام 2000 ميلادي، حيث أصبح المونتاج مشابها لأسلوب الأغاني الأمريكي هيب هوب، وفيه عنفوان القطع/القص يسبب صدمة للمتفرج سواءا كان رمزياً أو واقعياً، ويحوي على المونتاج كإيقاع سريع بأسلوب أغاني الهيوب هوب الحديثة. بالتالي هذه الطريقة ربطت المونتاج القديم بإيقاع عصري سريع كسرعة زمننا الحالي.

لو نعود لبداية المقال عن اللقطة الافتتاحية من سيناريو المسخ/المتحول التي يقوم بإخراجها كافكا، و لو بحثنا في أساليب المونتاج عبر امتداد تاريخ السينما لأصبح بالإمكان تقديم اللقطة بطرق متعددة. إما بالعودة لأسلوب صاحب نظرية المونتاج المخرج سيرغي إيزنشتاين، أو بشاعرية تاركوفسكي مع نحت إيقاع تدفق الزمن عبر الصور المتحركة، أو بأسلوب مونتاج الهيب هوب عند الأمريكي أرنوفسكي وإعطاء اللقطة حسا عصريا حديثا، أو على طريقة الفرنسي قودار في القفز غير المبرر في قص/قطع اللقطة نفسها دون الانتقال إلى لقطة جديدة. أو بخلق أسلوب خاص يوحي أنه جديد ولكنه يعبر عن غاية المخرج الفنية في توظيف القواعد والقوانين القديمة. لتكن النهاية بمعرفة أن المونتاج ليس مسألة تقنية يجب معرفتها ببراعة ولكن هو حاجة أساسية وحيوية للتعبير الفردي الأصيل والمتميز، وهو المونتاج التجسيد الجوهري لفلسفة المخرج في الحياة.

2016-05-01-1462140280-5688265-.png
لقطة من فيلم الرجل ذو الكاميرا السينمائية



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

150 متراً من الحرية يقف الأمن على مداخلها

$
0
0
150 متراً فقط هي مساحة الحرية التي حددتها لنا وزارة الداخلية لنمارس فيها نحن الصحفيين حقنا في الهتاف، بين ناصية شارع عبدالخالق ثروت وناصية شارع شامبليون، مساحة رغم ضيقها كانت مليئة بالأحرار، بينما كانت الحواف يحتلها أعداء الحرية والمواطنون الشرفاء.

على ناصية الشارع - الذي يحمل بالمناسبة اسم وزير داخلية ورئيس وزراء أسبق منذ عهد الملكية - كان المشهد في الصباح الباكر موحياً بيوم ثقيل يمتلئ بكثير من التخوفات من البلطجية الحاضرين بقوة والصحفيين المحايدين الذين ربما يخذلون نقابتهم بحضور ضعيف تنبأت به أبواق "شرفاء" آخرين لطالما كانوا ضد كل صوت زاعق بالحرية.

كانت تخوّفات الصباح الباكر عند مروري بالمكان مقلقة حتى جاءت شمس الظهيرة مفعمة بالأمل والوفود التي لم تثنها مضايقات رجال الأمن على المتاريس الحديدية وتفتيش الحقائب باستفزاز غريب ومطالعة كارنيه النقابة، وكأنهم يبحثون فيه عما هو غير معتادٍ ولا نعرفه نحن حاملوه، بينما في الخلفية أصوات "المواطنين الشرفاء" (بلطجية هذا الزمان) تلعن الصحفيين العملاء الخونة، دقائق ثقيلة تنفرج بعدها حدود المساحة الممتدة بين الحاجزين وتتسع حتى تلتحم بالأفق فتصير برحابة الأرض والسماء.

هنا مساحتنا تحتضن الهتافات المطالبة بالحرية لآلاف من أبناء المهنة المرهقة الباحثة عن المتاعب، يجمعهم مبنى نقابة الصحفيين ويضيق بهم رغم ضخامته، وجوه أساتذتنا الذين تحمّلوا مشقة الحضور، ووجوه شابة طغت بحيويتها وحماسها على المشهد بكامله.

صوتهم كان الأعلى وهتافاتهم كانت الأكثر حيوية وابتكاراً. ضحكت زميلة كانت تقف بجواري وهي تنظر للمصور الشاب وقد تسلق شجرة أمام النقابة ليلتقط بعدسته صوراً أكثر وضوحاً ومن زاوية مختلفة.. كانت مساحتنا الضيقة أكثر رحابة من مساحة الوطن الذي بات حاكموه لا يتحملون حتى حروف الكلمة الأربع..(ح ر ي ة)، وكانت الكلمة هي الهتاف الأقوى.

خلف المتاريس الحديدية كان المشهد مختلفاً تماماً، وجوه معتادة لبلطجية طالما ترددوا على الشارع الأعلى صوتاً منذ عام 2005 عندما كان ظهورهم الأول في مواجهة مظاهرات حركة كفاية وأحرار النقابة ونادي القضاة، شاخت الوجوه القديمة وجاءت وجوه جديدة أكثر شباباً، وبالتأكيد أعلى سعراً بحكم تطور الزمن وغلاء الأسعار، أعلام مصر وصور "الزعيم" والشعار الوطني الذي لابد أن يتكرر ثلاثاً، بينما سيارات نصف نقل تحمل أجهزة صوت قوية وعالية جداً تذيع أغاني المرحلة بصوت حسين الجسمي، عبث التلويح بالأعلام وبأوراق النقود وحركات الأصابع بدلالتها الوقحة في وجه المصورين.

محاولات الأمن اختطاف وجوه بعينها من شباب الصحفيين وعودة الصحفي أحمد سمير بعد إنقاذ أصدقائه له، ثم الاعتداء على الصحفي خالد داود وضربه بوحشية، التحرش بصحفيتين شابتين على يد بلطجيات المتاريس وإنقاذ الشباب لهما، بقع سوداء على حافة البهجة المعجونة بالأمل بعد بيان الجمعية العمومية القوي.

كانت الأمتار الـ150 وحافتاها الأمنيتان مساحة كاشفة تماماً لوضع مدهش نعيشه الآن، بين مدافعين عن الحرية ولاعنين لها، بين تاريخ من النضال وتاريخ من القمع، بين مستقبل يحارب بسنّ قلمه ليشق طريقاً للنور وحاضر يضع متاريس يرغب في أن يسد بها عين الشمس.

وبينما كانت خلف الحاجز فتاة ترقص على موسيقى أغنية شديدة الفجاجة والصخب كانت هناك فتاة أخرى في نفس عمرها يُحكم عليها بالسجن 6 أشهر لأنها رفضت الكلام أمام محقق يتهمها بتهمة وهمية تفوق كل قدرات عقلها الناضج على قبولها.

وفي نهاية اليوم كانت سناء سيف تكتب رسالتها الموجعة، مطالبة الجميع بتركها تُسجن بلا مقاومة، بينما المواطنة الراقصة تتلقى ورقة مالية بما تبقى لها من أجر، ونحن الصحفيات نتوارى بين زملائنا الرجال لنضمن خروجاً آمناً من مساحة حريتنا دون أن تطالنا أيادي نساء البلطجية وألسنتهم.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ

$
0
0
يُروى في تاريخنا الإسلامي العظيم أن هذه الآية الكريمة من سورة البلد قد نزلت في أحد كبار الصناديد من أهل قريش ، من محاربي الدعوة الإسلامية في بداياتها ، ناصب العداء للرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وآذاهم شديد الإيذاء . بل كان يفتخر بأنه أنفق أمواله الكثيرة في سبيل التضييق على انتشار الإسلام ومعاداة محمد صلى الله عليه وسلّم .

هذا الطاغية اسمه أبو الأشد بن كلدة الجمحي ، كان قوياً ، شديد البطش حتى أنه بلغ من شدّته أنه كان يقف على الأديم ( جلد بقرة ) ويجاذبه عشرة رجال لينتزعوه من تحت قدميه فيتمزّق الجلد ويتقطع قطعاً ولا يتزحزح عنه .

وعلى طريقة الطغاة والمتجبّرين : كان التباهي والغرور والصلف والتكبّر هي الصفة الغالبة على ممارسات هذا الرجل ، كغيره من الطغاة في منطقهم الذي يقول : "ما علمت لكم من إله غيري " وقيل عن تكبّره واستهزائه بأقدار الله سبحانه وتعالى أنه لمّا نزل قوله تعالى عن النار" عليها تسعة عشر " جاء أبو جهل وقال لقريش: " ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع أن ابن أبي كبشة (يعنى محمداً ) يخبركم أن خَزَنة النار تسعة عشر، وأنتم الدّهم الشجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ؟ فقال له أبو الأشد بن كلدة الجمحي : "أيهولنّكم التسعة عشر، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ، ثم تمرّون إلى الجنة " كان يقول ذلك مستهزئا.

وفيه نزل قول المولى عزّ وجل " أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ " فقد قضى وانتهى هذا الظالم المتجبّر من دون أن يبقى له ذكر إلاّ في الاعتبار بسيَر الطغاة والمجرمين الذين تحدّوا عظيم السموات والأرض وتجرأوا على أن يكونوا في منزلته وعظمته فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر لأن سنن الله جارية ماضية ، لا تحابي أحداً ولا تجاري دولاً مهما بلغت من القوة والجبروت .

ومانشاهده من مذابح ومجازر في بلاد الشام ، يندى لها الجبين ، وتتفطّر من هولها الأفئدة تجسّد في ممارساتها من إراقة دماء زكية وقتل وذبْح بلاهوادة ، لافرّق فيها بين كبار وصغار ، أو رجال ونساء وأطفال في مشاهد لمآسي مروّعة تقترب من أفعال التتار والمغول ؛ نفس شخصية الهالك أبو الأشد بن كلدة الجمحي وغطرسته وتكبّره وإمعانه في الطغيان ولسان حالنا يقول لجزّار سوريا وأعوانه : " أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ " حتى لو أيّدته وتواطئت معه كل قوى الأرض لأن سنن الله جارية ماضية وهي لا تحابي أحداً ولا تجاري دولاً مهما بلغت من القوة والجبروت حيث سينتهي ( بشار ) مثلما هلك (أبو الأشد ) وستُطوى سيرته ، وسيكون محلها سجلات المجرمين والسفاحين ، للعظة والاعتبار .

سانلة:

ماهو الفرق بين قصف وتفجير مستشفى حي السكري في حلب وتفجير مسرح باتاكلان في باريس وتفجير مقر صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية وتفجير مطار بروكسل حتى يلوذ العالم بالصمت تجاه مجازر حلب ويعلن ذات هذا العالم الاستنفار والطواريء ويهدد ويتوعد أمام تفجيرات باريس وبروكسل ؟!

الجواب: هو أنه إذا كان المقتول مسلماً فإنه أمر معتاد ، دمه من أرخص الدماء، لايصلح أو يستحق ( فزعتهم ) ، وأما إن كان غير ذلك ، خاصة من الجنسيات الغربية والأمريكية فإنه لأجله يمكن أن ( يقف العالم ولايقعد ) .. حسبي الله ونعم الوكيل.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نحن الفتيات نسافر إلى أفريقيا "9"

$
0
0
mrymhraz

كانت الأيام تمُر سريعاً، وقضينا في السفر بالشاحنة أكثر ممَّا قضينا في أي نشاطٍ آخر. كنا نصحو من النوم لننام مرةً أخرى. كانت منطقة شرق إفريقيا شديدة الاتساع، تغطيها المساحات الخضراء والرطوبة المرتفعة. لكن مجموعتنا الجديدة كانت رائعة؛ فقد أصبحنا حينها 14 فرداً بدلاً من 22. شعرت كما لو أنَّ ثمَّة شيئاً ينقصنا.

عبرنا الحدود إلى مالاوي بعد الظهيرة، وبعدها بقليلٍ وصلنا إلى الطرق الترابية؛ ما يعني أنَّنا سنحاول النوم بينما رؤوسنا تضرب سقف الشاحنة كل دقيقة.

لم أكن أعلم ماذا أتوقَّع بينما أمُر في الدولة الأفقر في العالم، ولكننا كنا نمر بالبيوت والمحال فنجدها مبنيةً من المواد المتوافرة أياً ما كانت. أكوامٌ وأكوامٌ من القمامة مجتمعةً نراها بين كل عدة كيلومترات تُحرَق؛ والأطفال يلوِّحون لنا.

mrymhraz

إنَّ مالاوي معروفةٌ بالمانجو، ثمار المانجو الخضراء الفاتنة التي تتساقط من كل شجرةٍ تراها؛ وهي ألذ ثمار المانجو التي تناولتها في حياتي. كنا نسير على الطريق ولكن "لولو" توقَّفت فجأةً بجانب مجموعة من المناضد التي تغطيها المانجو، وفجأةً ركض باتجاهنا مجموعة من الأطفال ليبيعوا لنا المانجو. عادت "كولين" بـ25 ثمرة مانجو. هل تعلمون كم يبلغ سعرها؟ 50 سنتاً. لقد اشتريت من قبل 3 ثمار مانجو في القاهرة بـ7 دولارات. أجل؛ لقد تعرضت إلى الاستغلال.

mrymhraz

أوَّل مخيَّم لنا على شاطئ "كاندى"، الذي يُعَد جزءاً من بحيرة مالاوي، بدا وكأنَّه بحرٌ؛ فهو يمتد على 3 دول مختلفة. كان علينا أن نسأل الموظفين إذا ما كانوا قد رأوا أيَّة تماسيح في الأيام الماضية لنتأكَّد من أننا يمكننا السباحة بأمان دون أن يلتهمنا أحياءً أحد التماسيح العابرة.
نُصِبَت خيامنا في دقائق معدودة فانطلقنا إلى البحر. كانت الرمال ناعمة جداً، ولم يكُن هناك من أحدٍ حولنا. قفزنا في الماء لنكتشف أن المياه ضحلة للغاية، لكن ذلك لم يردعنا؛ فقد كانت صافيةً ومنعشة.

وفي اليوم التالي ذهبنا إلى جولةٍ في البلدة. فعلنا بالضبط ما قاله لنا أهل البلاد، فمشينا من مخيَّمنا مسافة استغرقت 45 دقيقة في حر شديدٍ حتى وصلنا إلى المدينة. لكن هذه المرة كانت مختلفة؛ فقد كان معنا ماء. زرنا مدرسةً بها 10 مدرسين لأكثر من 1000 طالب، ومشفى يتعامل مع مئات حالات الوفاة كل شهر من الملاريا وحدها بسبب نقص شبكات الناموس (التي تبلغ قيمتها 10 دولارات وتنقذ أسرة كاملةً). لقد كان من المؤلم رؤية كم من قلوبٍ قد تحطَّمت هنا.

قضينا يومين في مدينة "شيتيمبا" التي تقع أيضاً على نهر مالاوي؛ وقد كانا أكثر أيام الرحلة صفاءً. جلست على أريكة في المقهى تواجه الشاطئ، وكل ما كنت أفعله هو النوم، والقراءة، والنوم مرةً أخرى.

لكننا اضطررنا إلى الاستيقاظ أبكر من السابق؛ فقد كان علينا مغادرة المُخيَّم في الثالثة صباحاً. إن تنزانيا لا تمزح بشأن المرور والمسافات. لقد أوقفنا أفراد الشرطة الجالسون على كراسي بلاستيكية لأننا تخطينا السرعة المقررة قليلاً من أجل بعض المتعة. بالتأكيد يمكنك الجدال معهم لكن أماكن التوقيف كانت بلا نهاية.

أمَّا المعبر الحدودي التنزاني عند "كوسومولو" فقد كان أبسط مما تخيَّلنا. لقد أخبرتنا "كولين" و"لولو" إنهم يُعددون أفضل "ساموسا" (أكلة هندية) يمكننا تناولها، وكنت أتحرَّق شوقاً لذلك. قمنا أيضاً بتحويل الأموال من رجلٍ يجلس في شاحنةٍ دخلنا إليه واحداً بعد الآخر لنُحوِّل العملات ثم نخرج. كان المشهد مضحكاً للغاية.

سافرنا من "شيتيمبا" مسافةً تبلغ 500 كيلومترٍ حتى وصلنا إلى "إيرينجا"؛ وكان الغريب في الأمر أنَّنا مررنا بكافة فصول العام. تقع "إيرينجا" على أعالي الجبل؛ فكان الصعود من مستوى سطح البحر إلى الأعلى يعني تغيُّر درجة الحرارة من 40 درجة مئوية إلى 15 في المساء. كان هذا المُخيَّم أحد أفضل المُخيَّمات التي زرتها؛ فكل شيء كان نظيفاً، حتَّى قررنا النوم في الخارج تحت الأغطية لكيلا ننصب خيامنا مرةً أخرى.

في اليوم التالي ذهبنا إلى "دار السلام"؛ وقد كانت رحلةً بشعةً لكنها مضحكة. استيقظنا في الثانية صباحاً وسِرنا، حرفياً، إلى الشاحنة ونحن في داخل حقائب نومنا لنستكمل نومنا هناك.

وحتَّى الخامسة صباحاً مررنا بوادٍ يُسمَّى "مقبرة سائقي الشاحنات"؛ وأخبرونا بألَّا ننظر من النوافذ إذا لم نكُن نتحمَّل منظر الدماء. إنَّه وادٍ ضيق للغاية والشاحنات لا تكاد تجد مكاناً للدوران إلى اليمين أو اليسار؛ ولهذا سُمي بهذا الاسم. وهذا الوادي هو الطريق الوحيد للوصول إلى "دار السلام" من إيرينجا".

كان هناك شيء متناقض في هذا الوادي؛ فبينما سِرنا بخطى مترددة إلى أسفل الوادي في سكون تام، كانت الشمس تشرق في المساحات الخضراء. تألَّقت ألوانها بشدة بينما كنا على شفا الموت ونحن نمُر بشاحنات قد انقلبت إلى جانبها. التقطنا أنفاسنا بارتياحٍ عندما وصلنا إلى الجزء السفلي من الوادي لنشاهد أشجار الباوباب الضخمة؛ وحينها استطعنا العودة إلى النوم.

كانت "دار السلام" تعج بالناس، أناس يشترون ويبيعون، وأناس يصرخون، وآخرون يسترخون، ورجال ونساء يمارسون الرياضة بزيهم العسكري. كان كل شبر من الطريق يشهد شيئاً ما. ثم كانت حركة المرور، أسوأ أعدائنا، فقد قضينا 4 ساعات لم نتحرَّك فيها سوى 30 كيلومتراً، وكان علينا الامتناع عن السوائل بسبب عدم وجود مراحيض؛ لذلك كان خيارنا الوحيد هو الآيس كريم؛ ولندعو الله ألَّا يُغشى علينا من الحرارة. وبعد رحلةٍ امتدت 16 ساعة وصلنا أخيراً إلى مُخيَّمنا المُطل على البحر لتناول وجبة عشاء شهية.

كانت جزيرة "زنزيبار" في انتظارنا. أخذنا "التوك توك" بين أزقة المدينة لنصل إلى مركبٍ تنقلنا إلى العبَّارة التي ستُقلنا إلى "زنزيبار". شهدنا الروتين اليومي للعُمال الذين يعبرون إلى الجانب الآخر من المدينة بالمراكب، محصورين في مساحةٍ ضيقةٍ مثل قطعان الأغنام. ويمكنني القول بثقةٍ إنَّنا في التاسعة صباحاً بدونا وكأننا كنا نسبح في الماء رغم أننا لم نخرج من المركب.

كان سلطان عماني هو من يحكم "زنزيبار"؛ ويظهر هذا في بناياتها. كانت الشوارع غير الممهدة تأخذنا إلى أكشاك السوق المفعمة بالحركة والحياة، والمقاهي، والجوامع. انتظرت العشاء بحماسٍ؛ فقد كنا نقترب من سوق المساء ولم أستطع التوقف عن التفكير في الشاورما التي أخبرتنا "كولين" عنها. تناولت 3 شطائر حتى لم أعد أستطيع التنفس.

وفي الصباح التالي ذهبنا إلى أجمل شاطئ رأيته في حياتي "نانغوي". كانت الرمال الناعمة تبرز بين ظلال الأزرق الملكي والداكن، وكانت المياه شفافة تكشف لنا الحياة البحرية تحتها بوضوح. كانت تلك هي آخر أيام الصفاء والحصول على سرير مناسب للنوم.

mrymhraz

شعرت بمشاعر متناقضة في يوم واحد. أحياناً كنت أقول: "لا أريد العودة إلى المنزل"، وبعد دقيقةٍ واحدةٍ أقول: "لا أريد سوى طائرة تعيدني إلى الوطن"، وبعد دقائق أخرى أكون مستمتعةً بوقتي على كافة المستويات. شعرت بأني مضطرة إلى التنازع مع عقلي طوال الوقت؛ فقد كنت مستعدةً للرحيل لكنني كنت أريد البقاء. كنت أعرف أني لم أكن أريد سوى بعض الراحة في النهاية، لكني كنت أفتقد الأكل في أي وقت، وأفتقد أغراضي، وأفتقد أسرتي وأصدقائي، وأفتقد البرد والظهور بمظهرٍ جيدٍ.

لكني، وبغض النظر عن كل هذا، كنت مستعدةً للجزء الآخر من رحلة الأربعين يوماً. سنعود الآن إلى البرية، حرفياً. وجهتنا القادمة هي حديقة "سيريجيتي" الوطنية وفوهة بركان "جورونجورو" المعروفة بالهجرة السنوية لأكثر من 1.5 مليون من الحيوانات البرية، وقطعان الحمر الوحشية، وعودة مرةً أخرى إلى النوم في البرية دون حماية على الإطلاق.


** الصور من مدونة مريم حراز عن رحلتها إلى أفريقيا.. المزيد هنا، ويمكن زيارة حسابها على انستغرام هنا.





لقراءة الجزء الأول من هذه التدوينة يُرجى الضغط هنا
الجزء الثاني اضغط هنا
الجزء الثالث اضغط هنا
الجزء الرابع اضغط هنا
الجزء الخامس اضغط هنا
الجزء السادس اضغط هنا
الجزء السابع اضغط هنا
الجزء الثامن اضغط هنا


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

10 طرق متوقعة لنهاية الريس.. "البرنس الكويس"!

$
0
0
ملحوظة: هذه التدوينة بها بعض العبارات بالعامية المصرية


للمعارضين الراغبين في إسقاط رؤسائهم.. وللمؤيدين الحريصين على بقائهم.. إليكم (الدليل الميسر)، بعد بحث متواضع في صفحات التاريخ السياسي وقصص نهايات سقوط الأنظمة.. حتى مع أفضل الرؤساء وأثبتهم.

2016-04-14-1460650310-3113210-01.jpg
تاريخياً يعتبر سقوط ورسوب رئيس الدولة مثل سقوط ورسوب طالب العلم.. فحياته عبارة عن اختبارات وامتحانات.. ونجاحه وفشله يتحددان حسب إعداده الجيد لكل امتحان.. فإذا استطاع اجتياز كل الامتحانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وغيرها.. يكون الرئيس في الطريق السليم.. وفرص نجاحه واستمراره أكبر بعد فضل الله وتوفيقه.. فالشعب وقتها يكون مثل الأب في الحساب والعقاب..

أما الرئيس الفاشل فمثل الطالب اللي بيسقط في كل امتحان.. فمفيش قدام الشعب -قصدي الأب- إلا أن يحبسه في البيت عشان يعيد ترتيب أوراقه كويس.. أو يطرده برّه البيت لو ما لقاش منه أي رجاء أو أمل.

ع السريع.. نعدد وسائل وسبل السقوط من أسلسها وأسهلها لأصعبها وأعنفها..

الموت الطبيعي..

2016-04-14-1460650371-7096384-02.jpg
إرادة ربنا اللي مفيش فوقها إرادة.. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) [سورة النساء: الآية 78].. وده لا نجاة منه.. لكن للحرص.. لازم الرئيس يهتم بصحته ويبقى ملازم له فريق طبي؛ لأن الموت الطبيعي للحكام الأقوياء أنهى بالفعل أنظمتهم في ظل وجود معارضة قوية.. زي سقوط الدول الإسلامية كالأموية والعباسية والعثمانية وكتير من الأنظمة القوية والعتيدة تاريخياً.. انتهوا جميعاً بموت حاكم قوي.. ولما جه من بعده حاكم ضعيف ما قدرش يحافظ على كرسي الحكم فترة صغيرة.

سحب الثقة..

2016-04-14-1460650400-1095615-03.jpg
زمان كان حاشية الرئيس وأولاده بيستبدلوه لما يلاقوه كبر وخرف.. أو مريض ومش قادر يقوم بمهامه.. زي أولاد (محمد علي باشا) سنة 1848م وتولي ابنه (إبراهيم باشا).. وزي حاشية الملك (سعود بن عبد العزيز) سنة 1964 م وتولي أخوه (الملك فيصل).. أما دلوقتي بيتم سحب الثقة بالبرلمانات القوية ولاستفتاءات الدستورية، لكن ده ما بيحصلش في الدول الديكتاتورية؛ لأن مصالح الحاشية دائماً ما تكون متشابكة مع مصالح الرئيس.. حتى ولو كان جثة على سرير.. ولا داعي لتعديد أسماء حكام عرب في الوضع ده حالياً.

انتهاء المدة..

2016-04-14-1460650430-7709199-04.jpg
وده في الأنظمة الديمقراطية لما بيكون الدستور محدد مدة لا يتجاوزها أي رئيس زي أميركا.. والحد الأقصى مدتين رئاسيتين مثلاً.. فتخلي أقوى الرؤساء وأنفعهم لشعوبهم ما يقدروش يعدوا المدة المقررة لهم.. وده بأمر الدستور.. زي ما حصل مع الرئيس البرازيلي (لولا دا سيلفا) سنة 2011 م.. وحالياً الرئيس الأميركي (باراك أوباما).. والتغلب على العقبة دي لا يتم إلا بتغيير الدستور نفسه.. وده معروف ضمنياً بيتم تغييره في أي دول!

الفضيحة والتنحي..

2016-04-14-1460650456-1000587-05.jpg
دي لما بتتسرب فضيحة فساد أو شرف أو خيانة لشخص الرئيس نفسه على الرأي العام الداخلي والخارجي.. وتبتدي الصحافة والميديا وكل وسائل النشر والتواصل تهتم بالموضوع.. فتضعف شعبية الرئيس حتى وسط أعوانه.. ويبتدي السخط الشعبي عليه يزيد.. فيبقى لا مفر قدامه من التنحي.. زي ما حصل في فضيحة التجسس الشهيرة (ووترجيت) سنة 1972م واللي أسقطت الرئيس الأميركي (ريتشارد نيكسون) سنة 1974 م.. وأفضل طريقة للتغلب على الموضوع ده هو الاستكانة و(النحنحة) وإبداء الندم والأسف الشديد.. ثم حَبك تمثيلية أو (فيلم هندي) على شكل مصيبة أو استهداف لشخص الرئيس أو تهديد لكيان الدولة.. فالناس تنسى الفضيحة وكفى المؤمنين شر القتال.. وغالب رؤساء ما بعد الملكية في مصر عملوا كده إلا قليل منهم.

الاحتجاجات والإضرابات..

2016-04-14-1460650484-5694399-06.jpg
لما يحصل شلل لأجهزة الدولة ومؤسساتها من خلال احتجاجات لموظفين الدولة أو احتجاجات مستمرة في نقابتها العمالية يستجيب معاها الشعب.. فالنظام وعلى رأسه الرئيس ما يعرفش يلم الموضوع.. وتتسع دايرة الشلل حتى في أجهزة العنف الشرعي زي الجيش والشرطة.. وما يلقيش الرئيس قدامه غير الهرب أو التنحي زي ما حصل في احتجاجات إيران سنة 1979م والإطاحة بالرئيس (محمد رضا شاه بهلوي).. وطبعا محدش منكم عايز يعرف سبل مقاومة الاحتجاجات والإضرابات إزاي؛ لأنها معروفة لكل عربي.. فالأنظمة العربية أفضل الأنظمة في إنهائها.. وده بيتم من خلال تفتيتها من الداخل بزرع الجواسيس وشراء الذمم، أو استخدام العنف المفرط والاعتقالات الجماعية، والتعذيب في السجون.

الثورة..

2016-04-14-1460650516-4173423-07.jpg
ودي بتحصل لما بتتكاتف جهود غالب القوى الشعبية ويكونوا على قلب رجل واحد لهدف واحد لا بديل عنه.. وهو (إسقاط النظام).. وطريقتها سهلة، لكن خطواتها كلها عثرات.. الطريقة هي (تبني الثورة) من خلال رموز فاعلة ولها شعبية جارفة.. وتقدر توصل وتؤثر في أكبر عدد من الشعب.. والمنافذ حالياً بقت أكبر من إنها تتعد.. أبسطها فيس بوك وتويتر.. والخطوة التانية هي التكاتف والتلاحم فيما بينهم.. ثم الاتفاق على فعاليات ثورية وتظاهرات مستمرة تثير القلق الداخلي والخارجي.. فيضطر النظام يقدم تنازلات.. فهنا يعلو سقف مطالب الثوار.. فتنضم قوات ثورية تانية من الشعب؛ لأن الضغط بقى بيجيب مع النظام.. فيتعنت النظام ويرفض المطالب ويستخدم العنف.. فيسقط في المحظور.. وتتكاتل عليه القوى الداخلية والخارجية من زخم شعبي ثم قوى المال السياسي والضغط الدبلوماسي.. ويضطر الرئيس في النهاية للتنحي أو تنحيته بالقوة.. ومن أمثلته ثورات الربيع العربي سنة 2010م و2011م.. والحل في الثورات دائماً ما يكون باحتواء الشرارة الأولى منها.. زي شراء ذمم قيادات الثورة.. إما بالمال وبالمناصب المباشرة.. أو بالتهدئة الدبلوماسية غير المباشرة.. أو حتى الزخم الإعلامي الذكي ضد الثورة والثوار.. أما القمع فنتيجته محسومة لصالح الشعب، ولكن هي الأيام تطول أو تقصر.

الانقلاب..

2016-04-14-1460651111-2108340-08.jpg
وده من أبسط وسائل إسقاط الرئيس إذا فقد سيطرته على من حوله.. وله نوعان: (انقلاب أبيض ).. وده إذا كان فيه بديل قوي للرئيس الحالي ويؤيده الجيش وله محبة في قلوب فئة من الشعب.. فيتم تغيير الرئيس بلا أي نقطة دم زي ما حصل سنة 1995م في دولة قطر بانقلاب أبيض من الشيخ (حمد بن خليفة آل ثاني) على أبيه الشيخ (خليفة بن حمد آل ثاني).. وفيه نوع آخر وهو (الانقلاب الدموي).. وده بيتم في حالة الرؤساء ذوي الشعبية المفرطة.. فلا يتم تغييرهم واستبدالهم بسهولة.. وكلما زادت الشعبية كان الأمر مستحيلاً.. وأقوى مثال في الانقلاب المستحيل هو ما تم في 11 أبريل 2002م على الرئيس الفنزويلي الراحل (هوجو تشافيز) واللي انقلبت عليه قيادات الجيش.. وأعاده الشعب بعدها بـ 48 ساعة فقط.. فدائماً محاولات الانقلابات العسكرية تفشل في حالات الشعبية الطاغية للرئيس الحالي في مقابل عدم شعبية الرئيس البديل.. وإلا تستمر فترة الانقلاب الدموي لسنوات.

المقاومة المسلحة..

2016-04-14-1460651143-5101295-09.jpg
بعد استنفاد كل وسائل تنحية الرئيس الهادئة.. تيجي وسائل تبني العنف.. وأولها المقاومة المسلحة ضد الرئيس ومؤيديه.. وده بيحصل لما فئة من الشعب تتبنى حمل السلاح ويساعدها ويؤيدها شعبياً ومالياً جزء من الشعب.. فتستمر المقاومة المسلحة وتجميع الأنصار للدخول في صف المقاومة.. فإذا اتسعت دائرة المقاومة على دائرة العنف الشرعي لقوات الجيش والشرطة فإنه السقوط المدوي للرئيس ومؤيديه.. وسرعان ما يتم إعدام الرئيس عند سقوطه وتمثل بجثته.. وده زي اللي حصل مع الرئيس الراحل (معمر القذافي) في ليبيا في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 م.. أما لو تكافأت الكفتان وتقاربت موازين القوى.. فهنا تقع (الحرب الأهلية) زي اللي حصلت في لبنان من 13 أبريل/نيسان 1975م وحتى 13 أكتوبر 1990 م.. والآن في سوريا والعراق وليبيا.. أما وسيلة إنهاء المقاومة المسلحة هي المصالحة وتوزيع السلطات.. وبتكون غالباً في وساطة طرف خارجي أقوى من الطرفين المتنازعين.. وإلا فالدماء تستمر حتى انتهاء وتهجير جزء كبير من الشعب كما يحدث الآن في سوريا.

التدخل الخارجي..

2016-04-14-1460651167-2068383-10.jpg
وده بعد مرحلة الكفر بكيان الدولة ومؤسساتها جذوراً وفروعاً.. وتمني هلاك الجمل بما حمل.. وسقوط المعبد على الجميع.. وعليَّ وعلى أعدائي.. فتضطر المعارضة في البداية أن تلتمس المساعدة الخارجية الدبلوماسية.. والضغط المؤسسي على رئاسة ونظام الدولة.. فإذا فشلت المخططات دي.. تدخل المعارضة في فتح الباب برفق.. ثم على مصارعيه لدخول جيوش الدول القوية للقضاء على الحاكم ونظامه، لكن بالتوقيع على حساب مفتوح من ثروات البلد.. سيتم تسديده كدين مستقبلي للدول الغازية بعد القضاء على الرئيس الحالي وأعوانه وأذنابه.. ويتحمل الشعب الفاتورة الباهظة دي كاملة لكذا جيل مستقبلي.. وده اللي حصل في العراق مع الرئيس الراحل (صدام حسين) وإعدامه في 30 ديسمبر/كانون الأول عام 2006م.. وده اللي بتتمناه حالياً فئات كثيرة من المعارضة السورية مع (بشار الأسد).. إلا من رحم ربي.. والحل دائماً يكون بتقديم تنازلات من الرئيس نفسه للمعارضين.. أو على العكس بإرضاء قوى التدخل الخارجي في بعض مصالحهم سريعاً ودون تردد.

الاغتيال..

2016-04-14-1460651193-8383424-11.jpg
آخر وسائل نهاية الرؤساء هو قتلهم المباشر أو استئجار اللي بيقوموا بالمهمة دي.. وده بيتم بحرفية عالية جداً ومن متخصصين بارعين؛ لأن الحرس الرئاسي دائماً ما بيكون مدرب على أعلى المستويات.. وممكن يصيب القاتل في رأسه برصاصة بدون حتى ما يطلع المسدس من جيبه أو جرابه.. والرئيس أو الحاكم اللي بيعتمد على كياسته وطيبته وشعبيته.. والتفريط في حراسته الشخصية ودعمها الكامل له.. بيبقى مصيره كمصير الخلفاء الراشدين (عمر وعثمان وعلي) في القرن السادس الميلادي.. وفي العصر الحديث الرئيس المصري (السادات) في 6 أكتوبر 1981م.. والرئيس الأميركي (جون كيندي) 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963م.

أخيراً..

مش دايماً سقوط الرؤساء والأنظمة بتجيب البديل الأفضل.. وكتير من الشعوب في الماضي والحاضر ذرفوا بدل الدموع دم على فراق رئيس سابق.. (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) [سورة الرعد: الآية 8].. ولكن هي محاولات الشعوب بحثاً عن البديل الأفضل.

أحمد محسن




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حلب تضع الحلفاء و الأعداء على مفترق طرق

$
0
0
على الرغم من أن خسارة مدينة حلب، لصالح التحالف الروسي الإيراني الداعم لنظام الأسد، تعتبر تحديا بالغ الأهمية بالنسبة لجميع الأطراف المتشابكة في الملف السوري، إلا أنه حتى اليوم، لا يبدو واضحا، أي تحركات لدى التحالف التركي السعودي القطري، الداعم للمعارضة السورية المعتدلة، لمنع أو عرقلة سيناريو كهذا.

تراجعت الخيارات أمام تركيا للتحرك بمفردها، في الداخل السوري، وباتت محدودة، بسبب لجوء روسيا لأفعال انتقامية، بعد إسقاط أنقرة طائرة روسية قالت إنها اخترقت أجواءها أواخر العام الماضي، وبدء دعمها ميليشيات كردية، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا في تركيا وحلف الـ ناتو، وذلك لإضعاف الدور التركي في سورية، وجعل تلك الميليشيات تسيطر على الشريط الحدودي مع تركيا، استكمالًا لمشروعها ومشروعهم، من جهة، ولإثارة الاضطرابات داخل تركيا من جهة ثانية.

كان واضحا منذ البداية أن المعارضة السورية المعتدلة، لن تستفيد من الهدنة التي جاءت بمبادرة روسية، على عكس القوى التي تدعمها روسيا، وحققت تقدمًا واسعًا أخيرًا، والشيء الوحيد الذي كان يمكن أن تحققه المعارضة السورية من الهدنة، هو إعادة توحيد صفوفها(وفي هذا الشق قد تقع مسؤولية أيضا على الاطراف الخارجية الداعمة لها)، فمن دون ذلك ستبقى ورقة خاسرة لا يمكن لأحد أن يعول عليها مستقبلًا، وستعطى الفرصة من جديد للمجموعات الانفصالية لتملأ الفراغ.

ولو كانت لفصائل المعارضة السورية، قيادة موحدة، لما اتجهت واشنطن لدعم ميليشيات كردية، واستفادت من القصف المدفعي التركي، الذي استمر لأيام عديدة، واستعادت الأراضي التي خسرتها في ريف حلب.

تسيطر ميليشيات كردية هي الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا وتتابع استفزازها لها، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق، تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة المسلحين الأكراد كما حدث في أوقات سابقة، ولو في شكل غير معلن، كما يحظى التنظيم الكردي حاليًا بدعم أمريكي- روسي، بسبب تصديه لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وربما لموسكو وواشنطن، في آن واحد، مآرب أخرى لا تقل خطورة، على سبيل المثال تعزيز فرص التقسيم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار دعمهما الأخير لميليشيات انفصالية كردية، وتهجير الأخيرة أعدادًا كبيرة من سكان تلك المناطق (العرب والتركمان).

واللافت أن واشنطن التي عول كثيرون على موقفها ضد الأسد، هي من أعاق انشاء المنطقة الآمنة وليس موسكو (قبل تدخلها العسكري في سوريا)، وتحت حجج عديدة، فقد رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما إقامة منطقة آمنة في سورية منذ بداية المطالبة بها قبل سنوات، وما زال يتفادى ذلك خلال عامه الأخير في منصب الرئاسة ويرى أن أخطارًا تتضمنها، وتتطلب وجود قوات على الأرض وحماية من الجو.

فقدان مدينة كبرى كحلب هي بعد العاصمة دمشق، الأهم في الجمهورية العربية السورية، إن حدث سيشكل ضربة كبرى للمعارضة السورية المعتدلة، منذ انضمام قطاعات كبيرة في المحافظة للثورة السورية عام 2012، حيث اعتبر الكثير من المراقبين وقتها، سيطرة الثوار على حلب ستقود إلى الإطاحة بالأسد في دمشق.

أصبحت حلب اليوم ميدانًا لمعركة كسر عظم، ليس بين الطرفين السوريين المتصارعين فحسب، بل بين محورين تركي-سعودي و روسي- إيراني، غير أن المتضرر الوحيد في هذه المعادلة هم سكان المدينة.
تهدف روسيا إلى إغلاق الحدود التركية السورية نهائيًا، ومحاصرة المعارضة المعتدلة من جانب جيش الأسد والميليشيات العرقية والطائفية التي تقاتل معه، وهي رسالة سياسية عسكرية إلى التحالف السعودي - التركي.

يبقى القول أيًا كان السيناريو القادم لحلب، فهو سيخلق توازن قوى جديد، و يفرض معطيات جديدة على الأرض، ستؤثر حتما على أوراق التفاوض، وريثما يتم التوافق على العودة إلى طاولة المفاوضات من جديد، يبقى شبح تقسيم سورية مخيما على الأجواء، في ظل الوضع العسكري الجديد.


هذه التدوينة نشرت على موقع ترك برس



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

المرأة بين الخيمة السوداء والعري

$
0
0
لقد أصبحنا الآن نعيش بين نوعين بينهم نوع ثالث لا ينتمي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، النوع الأول الذي يريد أن يعم السواد على المرأة، وأن يتم تغليفها بالكامل ولا يظهر منها شيء، وبين النوع الثاني الذي تقوده المرأة بمظاهر العري، والتي جعلت من جسدها سلعة تباع وتشترى، ويتلذذن عندما يشاهدن ضعاف النفوس وهم يلهثون ورائهن ويدققون بعيونهم في أجسادهن العارية وطريقة لبسهن المنحل، ويوجد النوع الثالث وهو النوع المعتدل بين النوع الأول والثاني والذي يتسم بالوسطية والاعتدال سواء في اللبس أو الدين أو في حياتهم بصفة عامة.

النوع الأول الذي يريد الخيمة السوداء:

نرى أنه يوجد تشدد في حياتهم وفي التفكير، وفي نظرتهم للمرأة وظهر هذا النوع من الأشخاص نتيجة عدم الفهم الجيد للدين، ولعدم وجود فكر وثقافة لديهم سوى أنهم يمتلكون ذلك الجلباب الأبيض القصير والذقن الطويلة.

وكذلك كل ثقافتهم أنهم سمعوا بعض الشرائط في المكروباصات، أو سمعوا عدة خطب لشيوخ التشدد، ومن هنا تم تصوير المرأة على أنها نار لا يجوز التقرب منها وإلا أحرقتهم، لذلك فهم مقتنعون أنه يجب أن تجلس تلك المرأة والبنت في البيت ولا تخرج إلا للضرورة، لأنها تمثل خطراً على المجتمع.

أصبحت النظرة إلى المرأة نظرية سطحية وغير عقلية، وخصوصاً عند أصحاب الفكر المتشدد الذي يرى المرأة في صورة غير حقيقية وغير الصورة التي خلقها الله ويتمسكون أحياناً بأن النساء ناقصات عقل ودين.

وإنهم فتنة على الشباب وينسون أو يتناسون أن النساء شقائق الرجال، فالمرأة في عيون هؤلاء ما هي إلا رغبة أو لذة لإمتاع الرجل ويتم إحاطتها داخل أقمشة سوداء أو تغليفها بذلك الجلباب الذي يغطيها كلياً ولا يظهر منها سوى فتحة لعينيها ترى منها الطريق، ويعتقدون بذلك أنهم أستطاعوا أن يحموها من الذئاب البشرية.

لقد نسي هؤلاء أن تلك الخيم السوداء ليست حماية لهم، وأن المشكلة في التربية وفي الفكر وفي الأخلاق التي يزرع منذ الصغر، فليذهب هؤلاء بعقولهم وأعينهم وآذانهم ليسمعوا ويروا قصص الخيانة والزنى، التي تتم في مجتمعات لا يرتدون إلا تلك الخيام، وقد يكون هذا ليس شائعاً ولكنه موجود وحاضر بقوة.

النوع الثاني.. التحرر الكامل والعري بدون قيود:

لقد انتشر هذا النوع في معظم البلدان العربية، وغزا المجتمعات الشرقية، من خلال ثياب مهمتها إبراز مفاتن وجسد المرأة، مما يجعلها ملفته للنظر، أو من خلال العري الكامل ولقد ذهبت الفتاة بخيالها إلى التحرر الكامل والمستفز لمشاعر الآخرين، وأصبحنا نعيش في انحلال من خلال أفيشات أفلام وتصوير المرأة أنها للمتعة فقط واللذة، والكثير من النساء والفنانات أقتنعن بذلك وأصبحت الإباحية هي الطريق للوصول إلى الشهرة.

لقد اتخذت هؤلاء من أجسادهن استثماراً رخيصاً لتحقيق مكاسب زائلة، وأصبحنا نرى التبجح والإفراط في الفساد والانحطاط الأخلاقي لدى بعضهم.
حقيقة إننا نعيش حالة من التخبط في مجتمعنا، فأصبح الطريق يميناً أو يساراً وفقدنا السير في المنتصف مع أنها في لغة المرور من الحارات الآمنة؛ لكي يصل السائق إلى الهدف الذي يريده، فليس الشمال هو الحل وليس اليمين المتزمت هو النجاة.

إن المشكلة يا سادة ليست في الثياب فقط، فهذه الثياب ليس له دخل في عفة أو خيانة المرأة لنفسها ولأهلها، فليس تغطية المرأة بالكامل هو الحماية لها من غدر الذئاب أو الدليل على عفتها ونقائها وليس بالعري الكامل للمرأة يتحقق لها الحرية وعدم التقيد بأي قيود ففي الحالتين هي تسير في الاتجاه الغلط.

يجب أن نغير نظرتنا المحدودة للمرأة على أنها ضعيفة وقليلة الحيلة، أو إنها خلقت لكي يتمتع بها الرجل ولكي يشبع رغباته بها، يجب أن تكون النظرة أعمق من ذلك فالمرأة تمثل نصف المجتمع ويجب أن نعطي لها حقها المشروع في المشاركة والنهوض بالمجتمع وألا نحصرها في وظائف معينة.

إننا ما زلنا في مجتمعات يتم رسم المرأة فيها على أنها متعة ولذة فقط، وليس لها عقل أو قدرة على النجاح ومشاركة الرجل والكفاح معه فأصبح النظر للمرأة نظرة تخلف وليست نظرة فيها عدل وإنصاف.

نحن لم نعطِ للمرأة الحرية في تقلد الوظائف، وتم استقطاع وظائف معينة واحتكارها للرجال فقط، مع أنه يوجد نساء أفضل من رجال كثيرين، بل يمتلكن أفكاراً وإرادة أقوى من بعض الرجال.

المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا نستمد ثقافتنا من الإعلام ومن فيسبوك من خلال (كوبي بيست) ومن التقليد الأعمى للغرب ومن الاستماع لأشخاص محدودة الثقافة والفكر، فأنا أرى أن حل جميع مشاكلنا في الحياة يتلخص في القراءة والمعرفة فبالعلم نستطيع أن نحقق الصعاب، ومن خلال القراءة نستطيع الوصول إلى ما نريد.

أيها الشاب وأيتها الفتاة إن الحياة ليست لذة فقط لمدة عدة دقائق، بل الحياة أغلى وأعمق من هذا، فليكن لديكم هدف يتم تحقيقه وليتم تخصيص جزء للقراءة حتى يتم التعرف على الحلال والحرام، وحتى يتم غذاء العقل وألا نجعله خالياً وخاوياً من المعرفة، يستطيع ضعاف النفوس أن يستغلوه في تسكين الجهل بداخله، وإقناعنا ببعض الأشياء المغلوطة نتيجة الفضاء الموجود في عقولنا.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

داوود أوغلو: الفيلسوف يرحل عن السلطة

$
0
0
نادرًا ما يرتاح الفيلسوف بالجلوس على مقعد السلطان، فالأسئلة الفلسفية النابعة من ضميره وعقله النظري على السواء لا تتوقف أبدًا عن التدفق كل لحظة بشكل لا يسمح له أبدًا بالتأقلم التام مع غابة السياسة، ولعل داوود أوغلو لم يكن استثناءً، فالسنوات الطويلة التي قضاها أستاذًا ومُنظرًا وفيلسوفًا وكاتبًا خلال التسعينات ومطلع القرن الجديد لعلها اتسمت براحة البال أكثر من سنواته الأخيرة التي قرر فيها الاقتراب من السلطة لتجربة أفكاره على الأرض، وهي تجربة وجد نفسه بسببها على رأس السلطة التنفيذية في تركيا في أقل من عشر سنوات.

لم يرُق الكرُسي أبدًا لأوغلو، فالرجل الذي عمل كمستشار لرئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان قبل أن يتم تعيينه رسميًا وزيرًا للخارجية في 2009 وحتى 2014 حين قرر الحزب أن يتولى هو قيادته، يُعاني في موقعه الجديد الذي لم يتم فيه عامين كرئيس لوزراء الدولة الأثقل سياسيًا واقتصاديًا في الشرق الأوسط، وهي مُعاناة تُنبع من المسافة الكبيرة التي اكتشفها بنفسه بين نظرياته "العثمانية الجديدة" كما تسمى، والتي حاول بها إعادة تركيا لموقعها السابق الذي تخلت عنه قبل مائة عام أو يزيد، وواقع الشرق الأوسط الذي تعقّد للغاية خلال قرن كنتيجة للاستعمار والديكتاتوريات العسكرية، وهي مسافة أزّمت من موقفه أولًا كأحد أبرز المسؤولين عن الملف الخارجي، وأعطته فكرة ربما عن صعوبة الانتقال بسلاسة ورشاقة بين النظرية والواقع.

لم تكن تلك هي معاناة داوود أوغلو الوحيدة، فالرجل الذي انتقل من أروقة الجامعات والكتب والورق إلى أروقة الخارجية التركية ودبلوماسيتها العريقة وعلاقاتها المتشعبة مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، شهد بنفسه أيضًا العالم الدارويني للسياسة التركية، وهي سمة ربما تعود لقرون طويلة قبل الجمهورية، فالخلافات لا تخفى على أحد بينه وبين رئيس الجمهورية حاليًا رجب طيب أردوغان، والذي لا يرى بديلًا عن النظام الرئاسي المركزي لحماية إرادة الشعب التركي من الدولة العميقة كما يسميها.


كان الصدام قد بدأ بالفعل بين الفيلسوف والرئيس العام الماضي حين وجد أوغلو نفسه في "حارة سد" مع أردوغان حيال تعيينات الهيئة العُليا للحزب.

"لقد قال الشعب التركي لا للنظام الرئاسي"، هكذا صرح داوود أوغلو في يونيو المنصرم بعد خسارة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته البرلمانية لأول مرة منذ صعوده للسلطة، فيما اعتبره البعض استغلالًا لتراجع رصيد أردوغان لإثبات موقفه المعارض لطموحات الرئيس، لكن الفيلسوف الذي تعرّف على عالم السلطة عن طريق صديقه القديم الرئيس السابق عبد الله غُل لم يكن متوقعًا أن ينجح في مصارعة معسكر أردوغان داخل الحزب، لا سيما وأن غُل نفسه لم ينجح حتى الآن في تلك المهمة، ولذا فإن أردوغان السياسي المخضرم، ولاعب الكرة السابق الذي لم يجد وقتًا أبدًا للدراسات العُليا والكُتب، استطاع إدارة المشهد السياسي لصالحه ليخرج منتصرًا من انتخابات نوفمبر المبكرة، ويعيد التأكيد على طموحاته السياسية مسجلًا هدف التعادل لفريقه في أشهر قليلة.

كان الصدام قد بدأ بالفعل العام الماضي حين جرى اجتماع ساخن بين الرجلين بخصوص أعضاء الهيئة العُليا للحزب، والتي من المفترض أن يقوم رئيس الحزب بتعيينها، لكن داوود أوغلو الرئيس الجديد للحزب، والذي أراد الدفع بأسماء مختلفة عن معسكر أردوغان، وجد نفسه ببساطة في "حارة سد" مع رئيس الحزب القديم، بل ووصل الأمر إلى قيام وزير المواصلات، وذراع أردوغان الأيمن، بن علي يلدرم، صاحب الإنجازات الكبرى في البنية التحتية، بالإعلان عن طريق المقربين منه رغبته ترشيح نفسه كرئيس للحزب في "كونجرس" الحزب كما يسمى بدلًا من أوغلو، وسرت أخبار بالفعل مفادها أن هناك أعضاء داخل الحزب يجمعون توقيعات من أجل ترشيحه.

لعبة سياسية مرهقة دخل فيها الفيلسوف وخسر بالطبع، ليوافق على قائمة أعضاء الهيئة العُليا التي كتبها أردوغان بنفسه في النهاية، والتي تضمنت أسماءً جديدة بالكُلية من معسكر الرئاسة، وأخرجت أسماءً ثقيلة لأول مرة كانت يومًا ما من مؤسسي الحزب، أبرزها نائب رئيس الوزراء بولنت أرِنتش والذي اختلف مع أردوغان هو الآخر حيال تناوله لتظاهرات جَزي بارك عام 2013، وحيال ملف النظام الرئاسي.


الفيلسوف الذي تعرّف على عالم السلطة عن طريق صديقه القديم الرئيس السابق عبد الله غُل لم يكن متوقعًا أن ينجح في مصارعة معسكر أردوغان داخل الحزب.

رُغم تلك الضغوطات حاول الفيلسوف أن يبقى في الكُرسي لعل وعسى يستطيع مجاراة اللعبة السياسية ويثبت نفسه، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال أتت منذ أيام، حين قرر حزب العدالة والتنمية سحب سُلطة تعيين قيادات الحزب الفرعية من رئيس الحزب، وهو أوغلو حاليًا، وإيكالها للهيئة العُليا التي انتقاها أردوغان، بعد أن ظلت تلك السُلطة لأربعة عشر عامًا في يد رئيس الحزب، وبينما قال المدافعون عن القرار بأن الحزب المؤسس عام 2001 كان في الأصل يمنح تلك السلطة للهيئة العُليا حتى قرر منحها بشكل غير اعتيادي لأردوغان، فإن الغالبية تعلم تمامًا أن توقيت سحب تلك السلطة الآن وثيق الصلة بالخلافات بين الرجلين.

بدون أي رفقاء سياسيين في الهيئة العُليا للحزب ولا بين صفوف قياداته الفرعية، وبينما تجرى حرب ضروس في جنوبي شرقي البلد يتصاعد معها استخدام الدولة للخطاب القومي اليميني لتوحيد صفوف الأتراك، فإن الفيلسوف الذي يعتبر نفسه مسلمًا في المقام الأول، ويرى العروة العثمانية متعددة اللغات والهويات نموذجًا أمثل لتركيا، والذي قال عن نفسه يومًا بأنه يعتبر نفسه مصريًا في القاهرة وكُرديًا في ديار بكر ويونانيًا في أثينا وبوسنيًا في ساراييفو وسوريًا في دمشق، والذي كتب في ميثاق تركيا 2023 بوضوح أن الدستور الجديد لن يحتوي على كلمة "تركي" ليتجاوز بذلك فكرة تركيا كوطن للأتراك فقط ويجعلها وطنًا متعدد الأعراق، قد ضاق ذرعًا بمقعد السلطة اليوم بما يكفي ليرحل عنه، وربما للأبد.

لم يُرق له كرسي السياسة أو لعله هو الذي لم يرُق لعالم السياسيين، والذين لا يزال كثيرون منهم يدافعون عن مناصرة أردوغان، ويعتبرون أن الفيلسوف الوحيد الآن في الحزب لا يمكن أن يدير دفة السياسة التركية مثلما يديرها أردوغان، وأن معركة تكسير العظام الدائرة داخل وخارج تركيا حاليًا يصعُب أن يخوضها الفيلسوف والسياسي معًا، وأن السفينة تحتاج الآن لقبطان واحد قوي ومخضرم مثل أردوغان.


دخل أوغلو للسلطة وشهد بنفسه كيف صنعت السياسة التركية "معاوية" تركي، لكنه شهد أيضًا عدم قدرته على التحوّل لواحد منهم.

شخصيًا، لربما يكون داوود أوغلو، وزوجته كذلك وهي طبيبة نساء، ممنونًا بالخروج من السلطة ومتاعبها وزياراتها الرسمية ورحلاتها الطويلة والمتتالية، وعازمًا على العودة مرة أخرى لمقعد الأستاذ والكاتب ليتسنى له الكتابة عن تجربته في السلطة كفيلسوف في المقام الأول، ولعل تلك التجربة القصيرة قد غيّرت بعضًا من أطروحاته، أو أكدت له على المُعضلة "الأموية" التي تهيمن على السياسة منذ قرون طويلة، والتي يستحيل بمقتضاها أن يصبح المرء سياسيًا دون تنحية الأفكار والمبادئ والأخلاق، على الأقل إلى الدرجة الثانية، ورفع بناء القوة السياسية إلى الأولوية الأولى.

دخل الفيلسوف السلطة، وشهد بنفسه كيف صنعت السياسة "معاوية" تركي لعله بالفعل أفضل معادلة ممكنة كما يقول أنصاره داخليًا وخارجيًا، ولكنه شهد بنفسه أيضًا عدم قدرته على التحول إلى واحد من هؤلاء، وأنه محظوظ، ومدين للحزب للمفارقة، كونه خاض تلك التجربة في دولة ديمقراطية ومفتوحة، مغايرة تمامًا للنظم الوسيطة التي حكمتها المؤامرات السلطانية، والتي لربما طارت فيها رأسه على غرار رؤوس كثيرة في العهد العثماني طارت فقط حين استشعر السلطان خروجها عن الخط، ومغايرة كذلك للدولة العسكرية التي حكمت لعقود قبله، والتي كانت لتحكم بإعدامه أو سجنه أو طرده كما جرى للمئات على مدار تاريخ تركيا الحديث، وكما يجري حاليًا لمفكرين مثله في نظم عسكرية لا تزال منتشرة بطول الأرض وعرضها.

لربما يكون داوود أوغلو ممنونًا بالخروج من السلطة ومتاعبها وزياراتها الرسمية ورحلاتها الطويلة والمتتالية، وعازمًا على العودة مرة أخرى لمقعد الأستاذ والكاتب ليتسنى له الكتابة عن تجربته.

اليوم، وبينما أعلن أوغلو انعقاد كونجرس الحزب يوم 22 مايو المقبل وعدم ترشحه كرئيس للحزب مجددًا وبالتالي تركه لمقعد رئاسة الوزراء خلال أسابيع، يكون الإعلان رسميًا قد تم عن هذا الافتراق؛ الافتراق بين أوغلو وأردوغان، بين الفيلسوف والسلطان، بين المفكر والسياسي، وهو افتراق حتمي لتسير السفينة بشكل أفضل كما يقول أنصار السلطان، ولأن قباحة السياسة لن تتغير كما يقول أنصار الفيلسوف، ولأن وقت الراحة قد حان أخيرًا كما قرر أوغلو وزوجته بالفعل، وكما بدا من خطابه الأخير للحزب والأقصر منذ توليه منصبه، والذي لم يتجاوز نصف ساعة.

"لو لزم الأمر سأترك منصبي وأضحي بنفسي من أجل الحزب... ولن أسمح لتلك الحركة النقية والرجال الأنقياء القائمين عليها أن يحزنوا أبدًا وهم الأمل الوحيد للمقهورين في العالم... الليلة هي الإسراء والمعراج... لنتأمل جميعًا ونذكِّر أنفسنا..." بهذه الكلمات ودّع داوود أوغلو حزبه منذ يومين، وودع الحياة السياسية برمتها على الأرجح، وكل ما علينا انتظاره هو ما سيجود به قلمه في السنوات القادمة عن تجربته الفريدة في السُلطة التركية، والتغيّرات التي أحدثتها بالتأكيد في فلسفته ونظرياته.


هذه التدوينة نشرت على موقع نون بوست .. للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الطيبون.. بين نذور المحبة وعقود الإذعان!

$
0
0
2016-05-04-1462353186-9186885-kindnessboysonpath.jpg


لرابعة العدوية، الشاعرة الصوفية، مقولة شهيرة تقول فيها: "اللهم إني ما عبدتك طمعاً في جنتك.. ولا خوفاً من نارك، ولكني علمت أنك رب تستحق العبادة"

والمعنى أن عبادتها لله عبادة مخلصة ومنزهة عن كل غرض.. العبارة جدلية يختلف حولها الكثيرون، ولا أنوي مناقشتها من منظور ديني، ولكن من منظور منطقي، هل يمكن أن يسمو الإنسان فوق ذاته، ويستطيع البذل فعلاً بلا مقابل، كما عبرت رابعة العدوية؟.. عندما يضحي الإنسان براحته أو ماله أو وقته لغيره ولا يطالبهم بالمثل هل هو فعلاً يبذل كل ذلك بلا مقابل؟!

العطاء بلا مقابل له علاقة بالتركيبة النفسية والشخصية للإنسان.. فوفق تصنيف جونز هوبكنز للشخصيات..

الشخصية الخيرة هي شخصية مثالية في تصرفاتها وتوقعاتها من نفسها.. تشعر بمسؤولية نحو المحيطين بها.. ولا يقتصر الأمر على مساعدة الضعيف والمحتاج.. بل يتعداه إلى شعور بمسؤولية في "تعليم وإرشاد" غيرها.. وقد تتطوع لحل مشكلات من حولها.. هي شخصية دافئة ينجذب الآخرين إلى دائرتها لأسباب تختلف باختلاف احتياجاتهم منها.



ومن أهم خصائص الشخصية الخيرة بطبيعتها أنها لا تفعل شيئاً سعياً وراء المقابل.. وتشير الدراسات النفسية إلى أن لهذا السبب بالذات.. تستفيد هذه الشخصية من العائدات النفسية والمعنوية والاجتماعية الإيجابية لفعل الخير أكثر من غيرها.. وكأنما "النية" مكيال الثواب!





فقد أثبتت الأبحاث والدراسات العلمية أن فاعل الخير، الباذل من نفسه وماله ووقته، تسكن روحه مشاعر الرضا عن النفس والفخر بها والثقة فيها، مما يحسن من صحته النفسية ويؤثر بطريقة مباشرة على صحته الجسدية.. وينال محبة وتقدير من يساعدهم واهتمامهم والتفافهم حوله، ويتحينون الفرص لرد الجميل بطريقة أو بأخرى، كذلك يحظى باحترام وتقدير مجتمعه.

وإن كان متديناً تزايد شعوره بأنه إنسان صالح قريب إلى الله بفعل الخير، مستحق للثواب، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة.

أليس كل ذلك "مقابل"؟!.. أليس في ذلك أضعاف أي مال أو وقت أو جهد بذله الإنسان تطوعاً؟!

ومن الباعث على التأمل والتفكير تلك الدراسات النفسية: التي أثبتت أن من يتقمص دور الشخصية الخيرة أو يحذو حذوها سعياً وراء منافع شخصية سواءً كانت اجتماعية أو معنوية، لا يحصل على نفس درجة الإشباع التي تشعر بها الشخصية المجبولة على الخير والعطاء بطبيعتها..



هناك فرق شاسع بين من يسعى لإسعاد غيره، فيكون ذلك سبباً لسعادته، وبين من يسعى لإسعاد نفسه بخدمة غيره..



ولا عجب في أن تكون استفادة الأول أكثر رغم عدم سعيه لذلك، واستفادة الثاني أقل رغم سعيه الحثيث، ففي قرارة كل منهما تقبع الحقيقة، التي لا يعلمها سواه، وهي وحدها التي تضاعف أو تخصم من سعادته.


ذكرتني تلك الدراسات بكثيرين ساعدتهم -أو ساعدوني- ووقفت بجانبهم أو وقفوا بجانبي، واكتشفت أن للتعاملات الروحية مقابلاً وعملات معنوية خاصة، تتجسد في مشاعر التفاهم والاهتمام والود أو التقدير والعرفان بالجميل أو المساندة.. ويختلف "المقابل" باختلاف الموقف.


ففي العلاقات السوية يتم تبادل أدوار من يعطي ومن يأخذ حسب الموقف والاحتياج.. فلا توجد قائمة أسعار لعطاء الإنسان ومشاعره!

الأمر أشبه برقصة ثنائية، يتحرك فيها الطرفان دون قائمة "تعهدات مسبقة" أو "توقعات جامدة".. حركة تلقائية، هذا يتقدم ذاك ويتأخر، بانسيابية وطبيعية، ولو كانت غير ذلك لكانت رقصة باردة وسيئة وغير ممتعة.


وعلى الضفة الأخرى تنتهي علاقات؛ لأنها قامت على الأخذ بلا "مقابل"..

إذا شعر من يعطي أنه ضحية استغلال، عندها يصبح العطاء مؤلماً، لا يستمر فيه إلا هواة تعذيب الذات، وحتى عندها يصبح العذاب هو المقابل الذي ارتضاه لنفسه!


إذا شعر من يعطي أنه "مُطالب" لم يعد الأمر عطاءً، بل قهراً وإجباراً، وإن كان معنوياً.

إذا شعر من يعطي أن حدود نفسه مستباحة.. وقته غير مُقدر.. وجهده مهدر.. ويتم التلاعب به.. بين ضغوط مطالبات.. وتشويه.. وتنغيص لإشعاره بالذنب.. فالاختيار الأمثل هو قطع تلك العلاقة بلا ذرة شعور بالذنب!

المنطق والدراسات العلمية تؤكد أن لكل شيء مقابلاً.. وإن كان لأهل العطاء تعاملاتهم وعملاتهم الخاصة التي لا يفهمها سواهم..



وشتان بين عطاء اختياري وفاء بنذور المحبة وروابطها.. وبين عقود الإذعان القائمة على المطالبات.. المطالبة تُشين من يطالب وتصمه بالاستغلال، وتشين من يرضخ للابتزاز، فهو إما خانع وإما منافق.



أن تعطي ما لا تريد استجابة للضغوط هي خيانة لنفسك، وعدم احترام لذاتك.



لكل شيء مقابل، قد يكون من الدقة أوالرقة أوالبساطة فلا يخطر على البال أنه "مقابل"، قد يكون مجرد ابتسامة شكر، أو نظرة إعجاب وتقدير، أو زفرة راحة تخرجها من صدرك وأنت موقن أنك "عملت اللي عليك".

كل ذلك وغيره الكثير صور لـ"مقابل" العطاء، الذي من دونه لا يستمر، ومن يطالبك بغير ذلك "أناني" ومحترف ألعاب نفسية، ينسل من دائه ليلقي عليك بجُرمِه فلا تكترث ولا تخضع، وتمسك بحريتك أن تعطي من تشاء ما تشاء وقتما تشاء، ولست مديناً لأحد، أياً كان بتبرير قراراتك!





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لماذا "يتخلى" الله عن مسلمي حلب؟

$
0
0
يد تضم طرفي "بطانية" على رأسها وجسدها؛ إذ خرجتْ بلباس المنزل، بعد أن نجت بأعجوبة من "القصف" الجوي للطيران الروسي، وباليد الأخرى كانت تحاول التفتيش عن صغارها تحت أنقاض البناية، تظن أن "أظافرها" المقصوصة تستطيع الوصول إليهم، وأن كل مجزوء ثانية قادماً سيحمل كلمة "أمي" على شفتي أحدهم، وأن أحضانها في انتظار "لهفة" حنان ابنتها الصغرى إليها!

أبكت العيون من حولها، وأشار إليها غير واحد من الرجال كي تتأخر لتنتظر الجميع "رحمة الله".

هنا انهارت صارخة:

ـ يا الله، نهتف ما لنا غيرك يا الله. .فلماذا "تتخلى" عنا يا رب؟.. أبنائي يا قوي.. "هادول" الروس "ناس" كفار.. كيف يموتوهم؟!

عند هذا القدر تاه الوجدان، ألماً لِما يحدث لهذه الأم ومئات الأمهات معها، إذ وثقتْ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وفاة 1041 سورياً الشهر الماضي فقط، وجاء من بينهم 61 طفلاً خلال أبريل/نيسان الماضي، أي بمعدل طفلين في سوريا يومياً، وفي مارس/آذار كان عدد السوريين الشهداء، أسأل الله أن يكونوا كذلك، 240 بحسب الشبكة نفسها، أما القصف الذي آلم كل إنسان حر شريف في العالم، لا المسلمين فقط، أما قصف "حلب" منذ 21 من أبريل الماضي، وفي شهر الله رجب، وهو من الأشهر الحُرم التي حرم الله القتال فيها، فقد ضاعف عدد الشهداء، ومنهم الصغار.

(1)


لِمَ "يتخلى" الله، حاشا له سبحانه، عن مسلمي حلب اليوم؟

فلماذا يترك "الروس" الكفار، برأي السيدة، يقصفونهم بالطيران الحربي منذ 30 من سبتمبر/أيلول من العام الماضي؟ كما يدكهم "بشار" منذ عام 2011م.

ولماذا يعجز المسلمون الثوار عن الرد؟ وهم مسلمون أحب خلق الله إلى رب العزة؟

ولماذا يأتي "تنظيم الدولة" أو "داعش" بمعنى أصح ليزيد الطينة بلة؟ ويشارك في هذه المذبحة التي يعجز اللسان وتفشل اليد في وصفها.

هذه الأسئلة وغيرها، على قسوتها الظاهرة "مشروعة" تماماً، ورغم "صدمة" السيدة السورية القاسية، فلعل الله يغفر لها ما قالت، أما عنا، نحن المُتابعين لما يحدث، "المتفرجين" بمعنى أصح، فلن يزيد صاحب هذه الكلمات عن أسئلة قليلة:

ـ ولماذا يفيق الضمير منا كل بضعة شهور على مأسأة ثم يغفو أو يواصل النوم؟

من مثل مجازر الصرب والكروات في البوسنة والهرسك منذ عام 1992 حتى 1995م، ومجازر روسيا في الشيشان منذ 1994م حتى 1997م، وفي الأولى استشهدت من 20 حتى 50 ألف مسلمة، وهو عدد النساء فقط، وغالباً لم تنتهِ المقابر الجماعية المجهولة حتى اليوم، وفي الثانية راح شهيداً ما يقدر بـ104 آلاف مسلم.

ولماذا مصمصنا شفاهنا عن الذين استشهدوا في فلسطين، والعراق، ومصر، وسوريا؟

كل مرة "ننفعل"، ونُدين بما نستطيع من وسائل الإدانة "الظاهرية" ونقول إننا سندعو الله، وسنقوم الليل على الظلمة..
ويوماً بعد يوم تزاد "مآسينا" ويواصل نهر الدماء المسلم "السريان" فيما "يتلاحق" طابور الشهداء الطاهر نحو السماء.


(2)


أما لماذا يُباد المسلمون ويُقتلون منذ قديم الزمان، وليس منذ فلسطين أو العراق وسوريا ومصر والبوسنة والشيشان، بالإضافة إلى "قيزاغستان" في عام 1917م، إن شئنا الدقة في شهداء "القرن الماضي" فقط، يجب أن تذكرها فقد استشهد فيها 150 ألف مسلم؟
ولدينا أمثلة على قدم "المجازر" ضد المسلمين لا تبعث على الوهن والضعف والاستكانة، ولكن تصب في نهر طاهر، وثمار أشجار جزره قريبة مينعة -بإذن الله- من قيام لحضارة الإسلام التي يفتقدها العالم لا المسلمون فقط، رغم قسوة الواقع، فقط نحسن الإجابة عن السؤال:
ولماذا "ترك" الله عدداً قيلاً "مليون" مسلم ليموتوا عند دخول التتار بغداد في فبراير/شباط من عام 856هـ، 1258م؟ والأرقام لموقع "قصة الإسلام".

ولماذا ترك الحملات الصليبية منذ 1096 حتى 1291م لتحصد أرواحاً، قيل إنه في يوم دخول الحملة الأولى "بيت المقدس" فقط أبادت أرواح 60 ألفاً من المسلمين وغيرهم من سكان القدس لدرجة أن الناس كانت تلقي بأنفسها من فوق البيوت خوفاً من بشاعة القتل؟
ولماذا ما حدث في محاكم التفتيش في إسبانيا وغيرها؟

هل نقول إنها قسوة ووحشية الحضارة الغربية التي لا تألو جهداً في تمزيق أجساد الذين تراهم أعداءها؟
هل نقول إن الغرب فاق في قسوته حيوانات الغابة؟

وإذا كان هذا صحيحاً فالغرب نفسه، ممثلاً في الأوروبيين والأميركان أبادوا قرابة 200 مليون من البشر، وهم لا يقارنون بعدد المسلمين في الحروب معه على مدار التاريخ، وهذا العدد هو لأهالي أميركا الأصليين المسميين ظلماً بـ"الهنود الحُمر"، منذ عام 1494 حتى عام 1905م تقريباً، وهؤلاء رحبوا بالمحتل وسُفنه، بل قدموا له الطعام والمنتجات، وكانت النتيجة أن أتى بالغرب ليشوي الطفل أمام والديه، وليقتلوا هؤلاء دون تفكير في استفادة منهم، وفي عدم تلوث جبين البشرية بل الشرف الغربي بهذه الدماء!
ولكن هل يُعفي أمر أهل الأميركتين من تكرار السؤال:
لماذا "يترك" الله المسلمين منذ قديم؟

(3)


شباب وكبار ويطرحون السؤال، أو يدور في أنفسهم دون أن يجرأوا على البوح به، ويبالغون فيه: الغرب "الكافر الفاجر" صعد القمر ونحن ما زلنا لا نحسن الدفاع عن أنفسنا..

الحقيقة أن الله تعالى لما خلق هذا الكون أوجد فيه "مقومات" العدل الإلهية الفريدة، التي لا تعرف العبث البشري، بل سمّى الله نفسه العدل، وكان من تمام عدله تعالى "السُّنن الكونية".
والأخيرة تعني أن الله العادل سوف يرزق الناس جميعاً الكافر مع المسلم، والتقي مع الفاجر، ولكنه لن يُعطي الدين والوصول إليه إلا للذين يحبهم تعالى، ولكن ليس معنى إعطاء الدين إهمال السنن الكونية.

بمعنى أن الله العادل الحق -سبحانه- ارتضى عدم التمييز بين خلقه، وأن أمر المحبة والبعد عنه ليس قرينة أو سبباً في الحرمان من الرزق، ولذلك في سورة البقرة لما طلب سيدنا إبراهيم من ربه أن يرزق أهل مكة من الثمرات "مَن آمن مِنهم" قال تعالى له على الفور: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

أي إن الله ضمنه لنبيّه أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم إن من ذريته الكافر مع المسلم، وإن الرزق لن يتأخر عن أحدهما بسبب دينه، ومعصيته لربه، بمعنى أن الكون سيسير بمنتهى الشفافية، ومن الرزق، وعلى قمة الرزق القوة والسيادة على هذه الأرض، فإن الله لن يجامل ولن يحابي، ولن يظلم في المقابل الذين يعملون ويأخذون بالأسباب، من الغربيين "الكفار" برأي البعض، وهو الرأي الذي لا أوافق عليه، وإنما يهمني دورنا كمؤمنين بالله ثم الإنسان والبشرية وموقعنا من العمل الفعال والبناء.

إذن الأمر واضح وجلي لو أن لديك ابنينِ؛ أحدهما مطيّع لك لكنه "خائب" نائم لا يريد أن يستذكر دروسه، بليد لا يفيق من سكرة الاستسلام للحياة، وآخر يعصيك ثم هو متفوق في دراسته، مقبل على الفهم، لماح بالغ الذكاء.. فهل ستحب لو أنك "عادل" الابن الأول؟

(4)


لما طلب سيدنا إبراهيم الهداية والنبوة له ولذريته قيدها الله بالمؤمنين منهم، لكنه في أمر طلب الأسباب وسننه في خلقه وكونه، واراد إبراهيم تعلم الدرس فقال في الآية السابقة (من آمن منهم) فأزال الله القيد قائلاً:

(ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير).

لن أتحدث هنا عن العدل في الدار الآخرة؛ لأنه مفروغ منه، ولكني سأفيض في طلب مقومات وأسباب الدنيا من قبل المسلم، في طلب أسباب القوة والمنعة والرزق.

إننا نتخاذل في الأخذ بالأسباب، ونظن أن إيماننا بالله كافينا كبديل عنها، ورحم الله "الشيخ الغزالي" لما روى القصة التالية:

في حصن من الحصون بالجزائر كان الفرنسيون الغزاة متمترسين بالسلاح، فأرد 12 من حفاظ القرآن الكريم إخراجهم بالقوة، وقال لهم شيخهم إنكم بحفظ كلمات الله ستنصرون عليهم، فليس من الطبيعي أن يهزموا آي الذكر الحكيم في "أجوافكم"، وبالطبع استشهد حُفاظ القرآن الكريم.. فالأمر أمر قوة لا كلمات ولو كانت كلمات الله، مع الإعزاز والتقدير والتكريم لها، الأمر أمر أسباب هنا، لما تتمسك بها مع القرآن يأتي النصر المؤزر، ويعقب الشيخ الغزالي قائلاً:

ـ "كسب الأعداء الحصن وخسرنا 12 من الحفاظ كان يمكنهم إحياء الإيمان في الأجيال القادمة إلى جوار الإعداد للمعارك".
ولدينا في المقابل قصة البندقية مع بعض أتباع "قنصوة الغوري" آخر حكام المماليك في مصر، فإنه لما قيل للجنود هناك بنادق تقتل في ثانية وأروهم إياها، كذبوا أعينهم وقالوا لدينا السيوف وهي أكبر وأحدّ.. ودخلوا المعركة فأبيّدوا بها.

ومفهوم حفظ كتاب الله هو الذي سمعناه بعد "رابعة العدوية" في مصر والمجازر الرهيبة، كانوا يقولون لك:
ـ نستنفد الوسع ويأتي النصر، وما يزالون يقولون، أي نكثر من الدعاء والصلاة.

والأخيران مطلوبان لكن مع العمل الشاق لعمارة الأرض والأخذ بأسباب القوة من الأساس، ورحم الله القائل لو حفظت القرآن والسنة والفتاوى، ولم تكن تُحسنُ الدفاع عن نفسك، وكان في يد عدوك "هراوة" لغلبك!

(5)


لماذا هُزِمَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذن في غزوة أحد، إذا كان النصر سيأتي للنائمين لمجرد استشهاد بعض منهم؟

هُزِمَ الرسول العظيم لما قصر المسلمون في الأخذ بالأسباب، وهو الرسول العظيم، أحب خلق الله إلى الله، لكن الله لا يجامل في سننه في هندسة الكون ولا يحابي أحداً، ولو كان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولماذا لا يجامل الله -حاشا له- المسلمين مرة؟

لأنه خلق الكون وسوَّاه وأبدع في كل هذا وفق منظومة عمارة للأرض، كما في سورة البقرة أيضاً، والغربي اليوم هو الذي يعمر الأرض، ويخترع ويبدع ويجود فيما نحن نضيق بكل هذا بفعل المتآمرين منا كحكامنا، وتنظيم الدولة المُسمى ظلماً بالإسلامية، أو تقصير أنفسنا ولكننا لا نعمر الأرض.

ولكن الغربي يُفسد فيها بقتلنا؟

ذلك لأنها منظومة حضارية هو يرى بقاءه في إنفاذها بقتلنا، فيما لا نفهم، كحس جمعي حضاري، أن بقاءنا في حسن الدفاع عن أنفسنا بأخذ أسباب الدفاع من قوة وغلبة ومنعة، ولو فعلنا وبذل كل منا من وقته فيما يجيد من أجل رفعة الأمة لتحول حالها وتعدل، ولكننا في الأغلب الأعم نأتي الحياة زائدين عليها، لا نقدم لها شيئاً، نعيش على منتجات الغرب، ونهاجمه بكلماتنا دون أن نُعد شيئاً لرفعة أمتنا أو شرفاء العالم، دون أن نحترم الإنسانية فينا، مثلنا مثل "الهنود الحمر" آسف أهل الأميركيتين الحقيقيين، عاشوا قروناً بها معزولين عن الحضارة فلما أتت الحضارة، أو محاولات الحضارة أبادتهم.

ثم إنه تعالى لا يريد لعاصيه أو غير المؤمن أو المسلم أن يقول له يوم القيامة:
ـ هذا المسلم نصرته عليّ في الدنيا وجعلته متفوقاً عني، رغم تكاسله، ثم ها أنت تدخله الجنة وتحرمني منها..
حاشا لله العادل أن يسمح بمثل هذا القول؛ لذلك جعل الدنيا لمن يستطيع السعي فيها، ولكنه أبقى مؤشراً ليفيق به المسلم والمؤمن من الغيبوبة بخاصة إذا طالت!

(6)


لمّا يمرض ابنك الصغير أحب الخلق من الأحياء إليك، وهو بعد صغير، يرى الطبيب أن يحقن بعدد من الحقن، وكل مرة أنت الذي تمسك به جيداً، رغم صراخه ونظرات اللوم القاسية إليك، ومحاولاته الاعتراض.

الفارق بيننا وبين الهنود الحمر أنهم لم تكن لهم عقيدة تحميهم، ولدينا عقيدة صُلبة -والحمد لله- تمنع هذه الأمة من الفناء، ولكن يجب التمسك بها، ولأننا قصرنا في هذا فإن رب العزة يعيدنا إليه لكن بما نحن أهل به، أو كما جاء في الحديث القدسي: "فإنني طبيبهم"، رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء، ومن الطب ما يقسو على المريض، لكي يفيق، وننتبه إلى الأخذ بالأسباب، وننهض بالبناء وحسن التصرف، والإعداد، وأوله التخلص من الظلمة.

لكن ونحن لا نسير في هذا الطريق من آسف، لا ينبغي أن نستعظم التضحيات مهما كانت، ومهما كان دور أحدنا فيها جسيماً، فإنما الابتلاء في هذه الحالة لعلو همة المُبتلى، على النقيض تماماً، مما يرى الناس في الدنيا، ورفعة للدرجات في الآخرة، وللحقيقة فإن المسلمين لا يضربون منذ الحملات الصليبية، أو حتى حينما قال جورج دبليو الأحمق بعد ما يسمى أحداث 11 من سبتمبر:

ـ إننا نبدأ حملات صليبية جديدة.. وستأخذ منا وقتاً كثيراً للوقوف ضد الارهاب الإسلامي!

وعلم الله من هو الأكثر إرهاباً حينها؟

بل إن المسلمين لكي لا يكونوا مثل "الهنود الحمر" فإن الله يبتليهم بما يسمونه "المجازر" تصيب بعضهم ليُفيق المجمل منهم، ويعملوا ويحسنوا التخطيط ليسودوا العالم من جديد كما كانوا من قبل، ولتكون هذه المجازر نقطة انطلاق نحو الحضارة واستعادة سيادة العالم، وما كانت مجزرة القدس من الصليبيين إلا مقدمة لمجىء "صلاح الدين" و"حطين"، وما كانت مجازر التتار إلا مقدمة لـ"قطز" و"عين جالوت".

ويوم يقدم كل منا ما يرضي ربه ثم ضميره، تكون مأساتنا اليوم سبباً لرفعة وعلو هذه الأمة من جديد، بإذن الله.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هل هؤلاء البلطجية شرفاء أم بؤساء؟

$
0
0
الجميع أصبح أمام مشكلة كبرى تتمحور حو فهم هذا اللغز المبهم، ولا أحد يستطيع أن يجعل مشاعره وأحاسيسه تستسلم لما يمليه عليه ضميره تجاه هؤلاء فحسب، بل يمكنني القول إن كثيرين مشاعرهم تجاه هؤلاء على العكس تماماً ما تمليه عليهم ضمائرهم.

المواطنون البؤساء

2016-05-05-1462419867-6495383-image.jpeg

هكذا يسميهم المثقفون وتسميهم الدولة "المواطنين الشرفاء"، ويسميهم الناس "بلطجية الدولة"، وبعيداً عن المسميات فنحن أمام ظاهرة خطيرة للغاية أصبحت واقعاً ثابتاً في الحياة المصرية.. ومن اخترع هؤلاء كي يلعب بهم في النار لا يدرك أن هؤلاء أصبحوا سرادق يحاط به بالوطن والجميع سيكتوي بها.

يرجع أول ظهور لمصطلح "المواطنين الشرفاء" إلى بدايات المرحلة الانتقالية الأولى التي قادها المشير "محمد حسين طنطاوي" القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الأسبق عندما بدأت الاحتجاجات ضد المجلس العسكري، وتظاهر الثوار أمام محيط وزارة الدفاع للمطالبة برحيل المجلس العسكري ونقل الرئاسة إلى مجلس رئاسي.

ووقعت اشتباكات بين أهالي العباسية المؤيدة للقوات المسلحة والمتظاهرين، خرج بعدها المجلس العسكري ببيان رسمي موجهاً رسائل مباشرة لدفع الناس للتصدي للمتظاهرين المحتجين على سياساته، وتحفيز الناس على مواجهتهم؛ إذ وجه المجلس تحية إلى من سماهم "الشرفاء من الشعب المصري العظيم الذين أقاموا درعاً بشرية بين المتظاهرين والقوات المسلحة، ما يؤكد عبقرية هذا الشعب وحسه الوطني الذي أبهر العالم بثورته البيضاء".

2016-05-05-1462419941-4236034-image.jpeg

منذ ذلك التوقيت أصبح هؤلاء البؤساء يشغلون الصفوف الأمامية لقوات الشرطة أو الجيش في جميع وقائع الثورة.. فهؤلاء هم من أشعلوا جميع الفتن في التظاهرات التي كانت تبدأ سلمية وبشعارات محددة، ثم فجأة تنتهي بمجازر تسيل فيها الدماء وتفقأ فيها العيون، ثم يفرق الدماء بين تلك القبائل المتناحرة ويصبح أمام العالم شعب في مواجهة شعب والأمن يفرق بينهم.

من أين جاءوا هؤلاء؟

2016-05-05-1462420041-3884693-image.jpeg

ثمة جهة ما في الدولة استحدثت هذا السلاح البشري بطريقة غير شرعية وغير رسمية، سلاح كالمشاة في الجيش والأمن المركزي في الشرطة، ولأنه سلاح غير نظامي ويتعامل بالقطعة ويحكم بالعصا (ماضيهم وصحيفتهم الجنائية) والجزرة (حفنة جنيهات من بعض رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات بأجهزة الأمن) ويستدعى في أوقات محددة وعناصره جميعها من أصحاب الصحف الجنائية غير البيضاء ومتفاوتة الأعمار، فالتكهن بردة فعلهم حال إفلاتهم من قبضة من يتحكم في حياتهم؛ ستكون غير متوقعة وغير محسوبة.. ووقتها فقط سيشعر من يسيطر عليهم أنه كمن ربى الأسد في حديقة المنزل والأسد الآن جائع وليس وهو واقف أمامه عارٍ.

هل يستحقون الشفقة؟

2016-05-05-1462420088-3290578-image.jpeg

إذا كنت قد رأيتهم في الطرق المؤدية لنقابة الصحفيين المصرية قبل أيام وجلست من بعيد تترقب الحافلات التي نقتلتهم إلى هنا وتحركاتهم وطريقتهم في التعامل مع "أعداء الوطن"، كما تسميهم الدولة، وكيف وزعت عليهم اللافتات التي يحملونها ولا يقدرون على قراءتها وهم محاطون بكردون أمني بعساكر أمن مركزي يحازونهم في الصفوف بعصي شرطية، ويتلقون التعليمات من الضباط بطريقة مهينة أبسط ألفاظها اللعن بالأب والأم والأجداد؛ وقتها فحسب ستشعر بأن هؤلاء هم الضحايا.. ضحايا الفقر والجوع الذي جعلهم يرتكبون جرائم ولو بسيطة لكنها كانت كافية لتستعبدهم الدولة وتساومهم عليها.

2016-05-05-1462420517-5847093-image.jpeg

أما إذا رأيتهم بعد أن سكنوا في أماكنهم أمام النقابة وسمعت ما يقولون بأفواههم وأيديهم وكيف يعتدون على المارة في حراسة الشرطة بل بأوامرها؛ ستشعر بأن هؤلاء يستحقون الحرق أحياء!

2016-05-05-1462420158-7968219-image.jpeg

إذا أردت أن تحكم عليهم فعليك مشاهدة الصورة كاملة.. وقتها ستشعر بأحاسيس متناقضة تماماً في لحظات سريعة.. وربما يكون همك الذي سيشغل عقلك وقلبك كيف تخلص هؤلاء من سيطرة الأجهزة الأمنية عليهم؟




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وسط خلافاتنا.. يجب أن لا ننسى إنسانيتنا والتراحم بيننا

$
0
0
خمس حجج انفضت، ولا تزال الخلافات والنزاعات السياسية دائرة في مصر، بل وصل الأمر إلى حد التنازع على الثوابت والبديهيات، وفي خضم هذا التصارع والتشاحن، تعالوا نتفق على كلمة سواء تجمع شملنا، ولا تفرق جماعتنا.

أولها، أن ما بيننا من القواسم أكبر بكثير من نقاط الخلاف، فقد خلقنا الله من نفس واحدة، وندين بالعبودية لله وحده، هذا إلى جانب التقاسم في اللغة والثقافة والتراث، ووسط تلك الخلافات، يجب أن لا تضيع بين الزحام إنسانيتنا وقيمنا وأخلاقنا.

ثاني الأمور أنه مهما كانت عدالة القضية وعظمها، لا بد لنا من اللين في القول تجاه من نخاطب، فقد علمنا أن الله أمر موسى وهارون بأن يخاطبا فرعون بالقول اللين، رغم أنه كان ينازع الله في ألوهيته، ولا يصارعه في أمر من أمور الدنيا، ويأتي القرآن ليأمر المسلمين بالقول الحسن بقوله: (وقولوا للناس حسنا)، وظل رسولنا الكريم يخاطب المشركين 13 عاماً بالحجة والعقل والقول اللين والصبر على الأذى، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.

الأمر الثالث أن نستمع إلى بعضنا البعض بروية وعقل، دون تسفيه الآراء ونظرة الاحتكار لبعضنا البعض، وانتصاراً لآرائنا في استكبار واستعلاء، فقد نكون على خطأ وغيرنا على صواب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب المشركين، وعلى رأسهم عتبة بن ربيعة، في إنصات وإجلال واحترام، وكأن على رأسه الطير، رغم أن عتبة كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك دينه، فلما انتهي، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل فرغت يا أبا الوليد، وذلك حتى يبدأ النبي حديثه في تفنيد الآراء والمخاطبة بالعقل.

رابعًا: يجب ألا نقطع أرحامنا مهما بلغت خلافاتنا، فقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، حتى وإن كانا يجاهداننا على الشرك والكفر بالله، فأيهما أكبر الشرك بالله أم أمورنا الدنيوية مهما بلغ قدرها؟! وكان لهذا الأمر صدى في سيرة نبينا، فهذا رسول الله يأمر عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول بأن يصاحب أباه بالمعروف في الدنيا رغم أن أباه كان منافقاً وخائناً لله ولرسوله.

ثم الأمر الخامس، والأكثر أهمية، ألا نعين ظالماً في ظلمه ولو بالكلمة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعان ظالماً سلطه الله عليه"، فلن يغني عنا يوم القيامة أحد، وسيتبرأ الجميع من الجميع، فاعقلوا الأمور يا أولي الألباب، وإن كانت القضية عادلة، فالله موجود يرى ويسمع ويدبر، يمهل عباده ليتوبوا، وإن أخذهم لم يفتلهم، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هذا كله إن أردنا التجمع لا التفرق والتحزب، فاللهم عليك بمن فرق جماعتنا وشتت شملنا وجعلنا شيعاً وأحزاباً.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ثمانية أسباب ستجعلك إنساناً لا يمكن إيقافه

$
0
0
تصلني العديد من الرسائل التي يستفسر أصحابها عن كيفية الحصول على الطاقة والزخم اللازمين لإنجاز أهدافهم وأعمالهم وأحلامهم، والاستمرار فيها بشكل متواصل، وليس لمرة واحدة فقط، ومن ثم الانقطاع عنها.

الإنسان بطبعه متقلب المزاج ويمل بسرعة، ويمر بالتناوب ما بين حالاته المتفائلة والإيجابية، والأخرى المتشائمة والسلبية، التي تجبره على الانقطاع والتوقف عن الاستمرار، ولهذا وحتى ينجح، عليه أن ينوع بين المصادر التي يستمد منها طاقته الإيجابية، والتي إن فتر أحدها لسبب أو لآخر استمد طاقته من الأخرى، وهكذا ليظل مستمراً.

وفيما يلي أمثلة على مصادر هائلة للطاقة، التي إن استخدمتها بشكل مستمر بالتناوب حسب الحاجة والحالة، فلن تتوقف عن تحقيق أهدافك، وإنجاز خطوات متلاحقة نحو أحلامك، مهما كان نوع التحديات والصعوبات التي تواجهك الآن أو لاحقاً:

1- الإيمان بهدف: لا يهم كثيراً إن وجدت الهدف المحدد الذي تؤمن بأنك خلقت من أجل تحقيقه على هذه الأرض أم ليس بعد، فالبعض قد يجد هدفه في أول حياته، والبعض الآخر في منتصفها، وآخرون قد يمضون سنوات طويلة قبل أن يجدوه، ولكل منهم في رحلته حكمة أوجدها الله له. المهم أن تؤمن بأنك تعمل من أجل هدف خلقك الله له لتحققه، هذا سيجعلك مرتاحاً نفسياً وتعيش سلاماً داخلياً، ولا تتعرض للنكسات والاكتئاب والضياع الذي قد يعيشه من لا يفهم الغاية من وجوده ولا هدفاً يعمل لأجله، وهذا سيدفعك للعمل كالدينامو بلا كلل أو ملل بخطى ثابتة نحو هدف محدد.

2- أن تجعل عائلتك فخورة بك: لا يهم إن كنت ترى عائلتك كأفضل عائلة في العالم، أو أسوأ عائلة على الإطلاق، فلولا هذه العائلة بحسنها أو سوئها لما كنت ما أنت عليه الآن، شئت أم أبيت، عندما تشعر بأن عائلتك أو أحد أفرادها يتحدثون عنك بفخر ويتباهون باسمك وبإنجازاتك، وهم يشعرون بأن ما أفنوه من جهدهم وصحتهم وسنين حياتهم لم يذهب فقط لتكبر أنت شخصاً عادياً لا فرق لوجوده من عدمه، بل أثمر إنساناً يستحق كل لحظة وكل تشجيع وكل شجار حصل، ستعمل مثل الآلة لتزيد من الإنجازات التي سيفرحون بها ولو سراً في عيونهم.

3- أن تكون صاحب تأثير: لا يهم إن كان من يراك قدوة هو ابن الجيران الصغير أو أصدقاؤك أو أشخاص من بلاد بعيدة لا تعرفهم ولا يعرفونك، مجرد فكرة أن هنالك من ينظر إليك كقدوة، أو يطلب مساعدتك أو نصيحتك، أو يتابعك ليستمد منك الأمل والقوة أو يتعلم منك شيئاً، ستضخ فيك طاقة هائلة للاستمرار رغماً عنك، وستستيقظ كل صباح لتنجز في هذه الحياة، فالأمر لم يعد متعلقاً بك لوحدك بعد اليوم، وفي كل مرة توشك فيها على الاستسلام، ستصلك رسالة أو كلمة من أحدهم تدفعك رغماً عنك للاستمرار.

4- تحسين نوعية حياتك: لا يهم إن كنت من عائلة فاحشة الثراء أو شخصاً مدقع الفقر يعيش في ملجأ أو مخيم، شغفك وسعيك لتحقيق هدف أو حلم ما من أجل الله، سيفتح لك الطريق لتقابل الأشخاص المناسبين الذين سيساهمون في رقيك وتحسين جودة حياتك، وتهيئة الظروف والبيئة التي تناسبك، نوعية الحياة التي يوجد فيها احترام وليس صراخاً، فيها محبة وليس خيانة، فيها راحة وليس بالضرورة رفاهية، وعندما تتذوق طعم هذه الحياة وجودتها، لن تتوقف ولن تتراجع إلى الخلف بعدها أبداً، وستعمل بتواصل من أجل الحياة التي تستحقها وتريدها.

5- تحديث سيرتك الذاتية: على الرغم من أن هذا قد يبدو سخيفاً جداً، فإنه في الحقيقة محفز جداً، في كل مرة تفتح سيرتك الذاتية لتحدثها، بغض النظر إن كانت ورقية أو موقعاً شخصياً لك أو حساباً على موقع تواصل ما، في كل مرة تفتحها لتضيف إليها شيئاً جديداً، سيمنحك ذلك شعوراً رائعاً بالإنجاز، وبأن حياتك لا تذهب سدى، وبأنك لست من الأشخاص الذين تغيب عنهم قرناً وعندما تعود إليهم يكونون "على حطة إيدك"، لديك دائماً أخبار جديدة لتشاركها، حياتك في تطور وتسير للأمام، وأنت فخور بنفسك، تباً كم هذا شعور رائع!

6- الانتقام: من أصدق الجمل التي قد تمر عليك يوماً أن "أفضل انتقام هو النجاح الباهر"، وهذا صحيح تماماً. لا يهم فعلاً ممن تريد الانتقام أو لماذا، فالنفس البشرية بالنهاية بشرية، قد تميل للانتقام لسبب أو لآخر؛ لذا إن كان عليك أن تنتقم فانتقم، ولكن افعلها بطريقة صحية وصحيحة، طريقة لا تخسرك آخرتك ولا ذاتك ولا غيرك ولا تأثم بسببها ولا تضر أحداً؛ لذا لا تلتفت لشيء أو لأحد، فقط اعمل وانجز وحقق وثابر، وسترى كم هو شعور جميل عندما تتخطى الجميع بأميال وتنظر إليهم من بعيد، وتجد نفسك لم تعد مهتما أصلاً برأي أحد أو الانتقام من أحد، فأنت تشعر بالروعة بسبب ما حققته، ولا تريد أن تعكر صفو هذه الروعة.

7- أنت محاسب: حتى ولو كنت تمتلك مهارة دق مسمار في الحائط دون أن يعوج، فأنت محاسب عليها، فالله حين خلقك بصفات وشكل ومهارات معينة لم يخلقها هكذا من أجل لا شيء، كل ذرة فيك لها منفعة ويجب أن تستخدم لخدمة الهدف. الإيمان بهذه الفكرة سيجعلك "تنبش تنبيشاً" عن أي طاقة أو مهارة أو موهبة لديك لتستخدمها بأقصى طاقتك، مجموع هذه المهارات المستخدمة والمطورة هو كنزك وسبب ثرائك، وعندما ترى الكم الهائل من الإبداع لديك والذي يجعلك تتقدم سريعاً، ستشعر بنفسك صاروخاً منطلقاً لا يمكن إيقافه أبداً.

8- الشعور بالروعة: بكل بساطة، عندما تكون ناجحاً ستشعر بالروعة تجاه نفسك، ومن منا لا يريد أن يشعر بالروعة تجاه نفسه؟! وفي كل مرة ستحرص على أن تحافظ على مستوى الروعة أو أن تزيده؛ لذا ستعمل مثل بطارية دوراسل لساعات وساعات وساعات، حتى لا تقل نسبة الشعور بالروعة لديك، وتدوم.

وبدلاً من ثمانية مصادر قد تجد لنفسك مائة أو ألفاً، ستجد طريقك وستعلم ما يحفزك، فنفسك لن يفهمها إلا أنت، ورحلتك لن يرسمها إلا أنت، وخيارك أن تطلق طاقتك أو أن تخزنها، يعود إليك.
لا أحد يستطيع إيقافك، إلا أنت، فكن شخصاً لا يمكن إيقافه، فهذا ممتع!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ومضات على طريق الغربة "2"

$
0
0
اليقِظ في غربته هو ذاك الجميل الذي يسعى لتطوير ذاته كلما لاحت في الأفق فرصة، بل قل يصنع الفرصة بيده ويسخر الامكانيات لذلك، فمن الجيد يا صديقي أن تستثمر وجودك في بلدٍ مكتظ بلغات وثقافات وعادات وامكانيات مختلفة، لتنهل من هذا النهر المتدفق ولتسكب في عقلك ما أعجبت به وما تسعى لتنميه وما تسعى لتحقيقه فأنت في ميدان معبق بكل الوسائل، والقطار يمضي ولن ينتظرك لتستيقظ من ثُباتك وغفوتك..

حتى تلتحق بالجامعة كان لابد من إجتياز لغة تركية لمدة عام تتلقن فيها أمُ اللغة وقواعدها وفنون إستخدامها في معاهد قد أُعدت خصيصاً لهذا الغرض، في غرفة دراستي هناك اجتمعنا من جنسيات مختلفة فهذا الوسيم من سوريا، وتلك الأنيقة من تونس، وهذه الخجولة من البوسنة، وذاك المشاكس من مدغشقر، وتلك الفتاة الروسية صاحبة الشعر الأصفر ، والأفريقي مارلي وغيرهم، كنّا ثلاثةَ عشر طالباً أغلبنا من دول عربية، وكان الجو السائد داخل القاعة الدراسية يسوده الاخوة والتفاعل، رُبما اندماجك مع أناس يتحدثون بنفس لغتك لن يشعرك بالراحة في وصف مُرادك، لكنه وبكل تأكيد سينعكس سلباً على تقدمك في إتقان اللغة التركية.

من واقع تجربتي أنصح الراغبين بتعلم لغة جديدة أن يندمجوا بشكلٍ كبير مع متحدثيها وأن يمارسوا تجارب الحوار والتعلم معهم. ربما تشعر بالحرج من عدم اتقان اللفظ، وعدم توصيل الرسالة بطريقة سهلة وبكلمات واضحة، لكن كُن على ثقة أن هذه اللحظات بمثابة الوقود الذي سيدفعك بقوة في طريق إنجاز هذا اللغة بفترة أقصر وبجودة أعلى، فمن صبر ظفر.


في غربتك احرص أن تبق على تواصلٍ مستمر مع أهلك وأحبابك، وتزود بدعوات امك واستمتع بموسيقى كلماتها الحانية، فأنت طفلٌ وستبقى كذلك في نظرها. واحص كذلك على مساعدة رفاتك والقادمين الجدد إلى المدينة التي تقطن بها، فالمخلص منهم لن ينسَ ذلك المعروف طيلة حياته. في وقت فراغك اخرج والأصدقاء الى حديقة قريبة أو لحضور مسرحية كوميدية. حاول وبكل الوسائل أن يكون رصيدك من الملل صفر، اكتب مذكراتك ودون أجمل لحظاتك، ولا تنس كذلك التقاط الصور، وتزيين أيامك بألوان الفكاهة والمرح بما لا يتعارض مع أوقات الجدية والعمل.

اختر يا صديقي مكان سكنك في غربتك بدقة، واحرص على أن يكن رفاق بيتك أو غرفتك من ذوي الصفات الحميدة والأخلاق الرفيعة، فالصديق بالصديق يُعرف، فصديق الغربة هو عائلتك هنا، يخفف من وحدتك ويكن لك عوناً ورفيقاً. أذكر أنّي قد غيرت مكاني قرابة التسع مرات ما بين سكن حكومي وخاص، حتى رست سفينتي قُبل قرابة العامين في المكان الذي أقطن فيه حتى الآن.

المناسبات في غربتك بمثابة أيام عادية، وهي كذلك نقاط ضعف في حياة المغترب، يشعرها فيها بمرارة الغربة وشدة الشوق لوطنه وأهله. ففي حياتك لن تنسً المراسم التي مررت بها لقضاء العيد الأول في غربتك، وكذلك مناسباتك الإجتماعية. لذا عليك أن تمنح صديق او اثنين وسام الصديق المقرب والمقرب جداً ليكن بذلك سنداً وعوناً لك. فما أجمل أن يسعدك أحدهم بحفلة عيد ميلاد مُنسقة بشكلٍ جيد تحت أغصان شجرة حديقة أنيقة على موسيقى خرير مياه الشلالات.


في باكورة الأيام الجامعية ستشعر بمدى الفارق بين اللغة التي تعلمتها في معاهد اللغة وبين اللغة الأكاديمية المستخدمة في المحاضرات والمدونة بالكتب، وسينعكس ذلك على معنوياتك بتراخي وإحباط، وستفكر بتغيير التخصص أو الجامعة أو ربما الدولة ككل، لا يا صديقي!! تمل، فهذا شيء طبيعي فأنتَ تَعلَّمتَ كيف تهاتف صديقك بلغته وكيف تشتري الخبز والجبن من الماركت القريب، وكيف تطلب من السائق أن يُنزلك بالقرب من بيتك. فمن الطبيعي أن تشعر بصعوبة المفردات العلمية والغير مستخدمة بكثرة في الحياة اليومية، لذا أنصحك أن تبذل جهود مضاعفة في الأشهر الأولى من الفصل الأول وستشعر بمدى التحسن السريع كلما مرت الأيام والساعات.

في مرحلتك الجامعية تعرف على معظم أفراد دفعتك وكن مقرب بشكلٍ أكبر على من شعرت بتميزهم واقبالهم على العلم والتعلم، واياك ان تسلك حذو الكُسالى، فالمميز سيفضي عليك نشاطاً وهمة وستندرج بذلك تحت لواء التميز وأهله، وكذلك سياعدك ان استعصى عليك امراً فأنت أجنبي وقد تعيق اللغة في البداية فهم بعض التفاصيل، وحتماً في الفصول القادمة ستكن النتائج مدهشة، وهناك العديد من النماذج المشرفة والتي تميزت عن أقرانها أهل اللغة الأصليين.

في غربتك ما أجمل أن تكون سفيراً لبلدك وتعكس مدى تميزهم، ليشار إليك بالبنان ليس لشخصك فحسب، بل لدولتك ودينك، وما الجميل أن تشارك في الفعاليات والإحتفالات التي تقيمها الجامعات والمؤسسات والتي يعرض من خلالها الطلبة الأجانب ما يميز بلادهم، وختاماً أقول: أسال الله تعالى أن يردنا واياكم إلى أهلنا وأوطاننا سالمين غانمين، وأن يبعد عنا كل شرٍ، وأن ينفعنا بما عملنا وأن يعلمنا ما ينفعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


الجزء الأؤل من هذه التدوينة يمكن قراءه هنا




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
Viewing all 13463 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>