Quantcast
Channel: Arabi Blog on The Huffington Post
Viewing all 13463 articles
Browse latest View live

كان يا ما كان.. رمضان "4"

$
0
0
كلما شاهدت أو سمعت تعليقاً عما يدور على جبهة "المسلسلات" التي تسمَّى زوراً وبهتاناً رمضانية، تذكرت واقعة معينة وتعليقاً سمعته قبل حوالي عقدين من الزمان.

كنت يومها في سنتي الجامعية الأولى، في جامعة الموصل، ووضعني ترتيبي الأبجدي على نفس طاولة مخبر الحاسوب مع فتاتين "موصليتين" كانتا نموذجاً لكل ما هو مشرف وباعث على الفخر في أهل الموصل، يحضرني من هذه الصفات الحشمة والزي الشرعي والجدية، وتطابق ذلك كله مع السلوك عندهما بالذات، بالإضافة إلى ما لا أخجل من ذكره من مواصفات شكلية يعبر عنها المثل الموصلي الخبيث: "قولي بيضا واسكتي وقولي سمغا (سمرا) وامدحي"، والمثل يعني أن البيضاء لا تحتاج إلى مديح، أما السمراء فيجب أن تمدح بذكر مزايا أخرى!

وأهل الموصل -لمن لا يعرفهم- لديهم الكثير مما هو مشترك مع أهل الشام؛ لديهم على الأقل ذلك الإحساس بأنهم الأفضل، الذي يحتم عليهم أحياناً أن يحاولوا أن يكونوا الأفضل، أو على الأقل يبدون كما لو أنهم كذلك!


وإذا كانت كل القصص تنتهي بالنسبة للشوام عند مدينتهم، فإن كل شيء يبتدئ من الموصل بالنسبة لأهلها، على الأقل منذ أن رست سفينة نوح عندهم!

بل إنني أعتقد أن لهم ما يكفي من الأدلة للاعتقاد بأن آدم شخصياً كان من أهل الموصل، وكما أن لدمشق سورها الذي زال مبناه وبقي معناه في خارطة تضاريسهم النفسية التي تقسم الناس إلى صنفين: داخل السور، وخارج السور، فكذلك للموصل سورها الذي نقش في أهلها صفات وحكايات كثيرة، من ضمنها حكاية "أهل البرة" و"أهل الجوة"، بالضبط كما في دمشق.. (وإن كان الكلام عنها أقل مقارنة بالشام)، وعلى الرغم مما قد يبدو من "عنصرية" للوهلة الأولى عند أهل المدينتين، فإن ذلك يتجسد في أحيان كثيرة في صفات إيجابية في داخلهم لا تجعلهم معتزين فقط بانتسابهم لمدينة عريقة، بل تجعلهم أيضاً يحاولون أن يكونوا على قدر تلك العراقة.. (لكن للإنصاف، يتفوق أهل الشام بياسمينهم المتدفق لطفاً على ألسنتهم وسلوكهم.. من الفروق أيضاً امتلاك أهل الشام قدرة كبيرة على جلد الذات، بينما يفتقد أهل الموصل لذلك تماماً! ويمتلكون بالمقابل موهبة استثنائية في الإصرار والمتابعة قد تسمى أحياناً: النق).

أين كنا؟ كنا في الموصل.. وكان يا ما كان.. رمضان في الموصل.. بالذات في مخبر الحاسوب، كانت قواعد السلوك الموصلي تحرم تماماً الحديث بين الطلاب والطالبات على الأقل في السنة الجامعية الأولى! لكنّ أحكاماً مخففة صدرت بحقي ربما بسبب ما كان يعد يومها "غربة"، سألت الزميلتين مرة عن وصفة "الكبة اللبنية"، التي هي مشترك آخر بين الشام والموصل، فأخبرتني إحداهما لاحقاً أن جدتها بكت عليّ تعاطفاً مع غربتي.. كان العراقيون آنذاك يتصورون أن 400 كيلومتر تعني الغربة، لم يكونوا يدركون في أي أصقاع بعيدة سينتهون خلال أقل من عقدين فقط!

المهم.. مرة أخرى، أين كنا؟.. كنا في رمضان، وكان يا ما كان في الموصل ومسلسلات رمضان..

يومها التفتُّ لأسال بشكل عابر تماماً عما يعرض في التلفاز هذه الأيام (في رمضان).. طبعاً كان ذلك قبل القنوات الفضائية، وعندما كنت تقول التلفاز كنت تقصد شيئاً واضحاً ومحدداً وليس كما هو اليوم.


حركت واحدة منهما رأسها بأسف، وقالت عبارة واحدة باللهجة الموصلية - ستذهب بالنسبة لي ولعائلتي لتكون مثلاً- قالت: "كِن جَنوا"، أي: "لقد جنوا".

ما الذي جعلها تقول ذلك؟ كانت تلك هي المرة الأولى التي يعرض فيها التلفاز "الفوازير" المغناة.. وكان ذلك آنذاك يعد تعدياً خطيراً على حرمة الشهر الفضيل؛ لاحتوائها على الرقص والاستعراض.

"كِن جَنوا" من أجل الفوازير.. لم يكن ذلك قبل قرون، لم يكن هناك ديناصورات تلعب في الباحة، كان ذلك قبل عقدين فقط، أي مقارنة مع ما يدور الآن سيقول لنا كم تدهور كل شيء وفي غضون فترة قصيرة نسبياً (سيقول آخرون إنه دليل على تطورنا!)، وكم ستكون الأمور أكثر تدهوراً وانحطاطاً خلال فترة قصيرة قادمة أيضاً! بحيث قد يبدو بعد عشرين عاماً أن مسلسلات اليوم كانت نموذجاً للحشمة.. لا تستبعدوا ذلك، فهذا هو المنطق الذي يتحكم بالأمور عندما ينسحب منها من يجب أن يتحكم بها، وما حدث في الإعلام، كمّاً ونوعاً، خلال هذين العقدين، يدل على ذلك أكثر مما يدل أي شيء آخر.
(يُتبَع)




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عندما تشعرُ بالترهيب.. تذكَّر 5 أشياء

$
0
0
عايشنا جميعاً ذلك الشعور المقيت من الرهبة من آن لآخر. وأيما كان الشيء الذي يرهبنا سواء كان شخصاً أو موقفاً، فإن ذلك الشعور يمكنه أن يزعجنا ويؤدي إلى نتائج ضارة.

يصعب على المرء الإبقاء على تركيزه عند مواجهة الترهيب. لذا، إليكم خمسة أشياء تُسهِّل عليكم التأقلم مع الأمر.

1- تذكر أن الناس سوف يتحدثون في كل الأحوال

أيما كان ما تختار أن تفعله، سوف يتحدث الناس عنه. لماذا إذاً تقلق بشأن خياراتك؟
فالناس يحبون أن يتحدثوا عن الآخرين. انس الاكتشاف الأخير لوكالة ناسا، وانهِ الحديث عن الاحتباس الحراري، أو المناخ السياسي.. إذ إننا عادة نفضل الحديث عن بعضنا.

ولدينا عبرة في قصة جحا وابنه والحمار، عندما كان هو وابنه يركبان على ظهر الحمار الذي يملكه جحا وهم في طريقهم إلى السوق، فإذا بعيون البشر الذين على أطراف الطريق ترمقهم بحدة ولم يعرف جحا سبب هذه النظرات حتى سمع بأذنه الناس يقولون: ليس في قلب جحا رحمة إنه لا يخاف الله ولا يرفق بالحيوان انظروا إلى حماره يلهث من التعب لأنه يحمله هو وابنه والطريق أمامهم طويل. وعندما سمع جحا بذلك ترجل من على ظهر الحمار وترك ابنه راكباً على ظهره.

ولكن نفس النظرات توجهت إليهم حتى سمع بأذنه الناس وهم يقولون: الولد العاق يركب على الحمار ووالده يمشي على قدميه، إنه لا يخجل من نفسه ولا يخاف الله، فبسرعة أنزل جحا ابنه من على ظهر الحمار وركب هو.

لكن النظرات الحادة لم تتوقف، وهذه المرة قالت ثلة من الناس: انظروا إلى جحا هذا الأب القاسي الذي لا
يخاف الله وليس في قلبه رحمة، إنه يركب على الحمار وابنه الصغير يسير على قدميه. وبسرعة مرة أخرى، ترجل جحا من على ظهر الحمار وسار على قدميه هو وابنه وقاد الحمار بيديه.

لكن الناس لم تتوقف أيضاً، إذ سمع جحا ضحكاً يكاد يصل إلى السماء، فقد كان الناس يقولون: انظروا إلى جحا يملك حماراً ولا يركب عليه.
لا يمكنكم أن تنتصروا عند مواجهة حب الناس للكلام، لذلك يعتبر النهج الأفضل أمام أحد هذه المواقف هو أن تتصرفوا تصرفات طبيعية وأن تؤمنوا بكلمات دكتور سوس وتطبقوها من أعماق قلوبكم: "الذين يكترثون لا يهمون، والذين يهمون لا يكترثون".

2- لست وحدك

تذكر أن كل شخص يتعرض للترهيب، فجميعنا بشر، وجميعنا نرتكب أخطاءً وجميعنا لدينا مخاوفنا وشعورنا بعدم الأمان. لا يوجد خجل فيما تشعرون به؛ فيمكن أن يحدث لأي شخص.

قد تضعون في عين الاعتبار أن تسألوا أي شخص عن تجاربهم الشخصية عند مواجهة مخاوفهم. ولعلكم تتعلمون شيئاً مفيداً، ولكن على الأقل ستجدون الراحة في معرفة أنكم لستم وحدكم.

3- انظروا إلى الموقف من وجهة نظر مختلفة

لا يفكر معظمنا عندما يُقحم في أحد المواقف الصعبة سوى في الموقف نفسه. إذ نجد عادةً صعوبة في التفكير في أي شيء آخر.
اختاروا أن تنظروا إلى المخاوف من عدسة أعلى. فكيف يبدو الموقف إذا نظرتم إليه من ارتفاع 10 آلاف قدم؟ ما هي النصيحة التي ستعطونها لصديق يواجه نفس الموقف؟ لا تأخذ الموقف على محمل شخصي. أجل، إنه موجه إليكم (أو يشعركم أنه هكذا)، لكنه مجرد شيء مخيف يحب أن يتغذى على مخاوف الناس.

تراجعوا خطوة إلى الوراء عند مواجهة الموقف. وأزيلوا الجانب الشخصي وقرروا أفضل طريقة للتعامل معه.

4- لديكم قوة لتغيير الأشياء

عندما يبذل أحد الأشخاص جهده من أجل إرهابكم، فإن الطريقة الوحيدة لإيقاف هذا الشخص تكون من خلال تسليط الضوء على سلوكه.
ارفعوا أصواتكم وأخبروا شخصاً ما بما يحدث. احصلوا على الدعم، ولا تبقوا هذا الأمر بينكم وبين أنفسكم. لا تتركوا مخاوفكم تمنعكم من اتخاذ موقف ما. من الأفضل أن تخبروا شخصاً ما بالتهديد، بغض النظر عن الخجل الذي قد تشعرون به من ذلك، فهو أفضل من أن تصمتوا وتعانوا.

إذ إنها في الحقيقة مسؤوليتكم أن ترفعوا أصواتكم وتتواصلوا مع السلطات إن تطلب الأمر. وإلا سيستمر هذا الشخص الذي يخيفكم في سلوكه مع الآخرين.
إنكم تمتلكون القوة لتغيير الأشياء. استخدموا هذه القوة. إنني أعرف أنه شيء مخيف، لكنه الطريق الوحيد لكسر هذه الحلقة.

5- ركزوا على الدروس والتعاليم

تكمن أفضل طريقة للتعامل مع أي موقف في التركيز على ما يمكننا القيام به وما يمكن تعلمه من الموقف.
ابحثوا عن الدرس واستخدموه في مساعدة أنفسكم لأن تكونوا أقوياء، وأن تدفعوا أنفسكم إلى الأمام. ويمكنكم مساعدة الآخرين الذين يواجهون نفس الموقف من خلال خبراتكم.

ثمة ضوءٌ يلوح في نهاية كل نفق؛ فلا تدعوا أي موقف أو شخص يمارس الإرهاب عليكم يمنعكم من رؤية هذا الضوء.


- هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية من هاف بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

فاتورة الإصلاح الاقتصادي تفسد "فرحة رمضان" على المصريين

$
0
0
2017-05-15-1494885920-6975727-oEGYPTVEGETABLESfacebook.jpg

‏تستيقظ أم أشرف يومياً في السادسة صباحاً للتوجه إلى عملها في أحد منازل حي المنيب (جنوب محافظة الجيزة) الذي يسكن فيه الطبقتان المتوسطة والفقيرة، تصطحب ابنتها صاحبة العام الواحد على كتفيها في روتين يومي اعتادت عليه.

‏الظروف المادية الصعبة التي تعيشها "فتحية.م" 40 عاماً، جعلتها تستغني عن الكثير من الأشياء الأساسية والضرورية التي يحتاجها منزلها، وقالت لـ"هاف بوست": "فيه حاجات كتير بقيت استغنى عنها مقابل إني أعيش مستورة مع بنتي وزوجي".

‏وسردت أنها تجبر في أوقات كثيرة على السير على الأقدام لتوفير النفقات، خاصة مع اقتراب شهر رمضان وحاجتها إلى وجبتي إفطار وسحور يومياً.

‏وجبتا الإفطار والعشاء لنسبة ليست بالقليلة من المصريين أصبحتا صعبتين كما قالت، موضحة: "الفطار مش موجود لأيام كثيرة في الأسبوع وليس كما كنا قبل ارتفاع الأسعار، أصبحت الآن أتناول إفطاري عند الأسر التي أعمل عندها".

‏وأشارت إلى أن زوجها الذي يعمل في مجال تصليح السيارات "سمكري" اضطر إلى الجلوس في المنزل مع قلة العمل وأصبح الاعتماد عليها في العمل وهو يجلس مع ابنها الأكبر "7 سنوات" ليرعاه.

‏منذ أشهر قليلة، كان الوضع الاقتصادي للعديد من الأسر المصرية متوسطاً والدخل يكفي الاحتياجات الأساسية وأي طوارئ قد تظهر، لكن عقب تحرير سعر الصرف تبدل كل شيء.


2017-05-15-1494886196-9654657-maxresdefault.jpg

ارتفاع السلع الغذائية والأسماك والدواجن واللحوم أصبح عبئاً؛ حيث قالت "أم أشرف" كما تحب أن يطلق عليها، إنها لم ترَ اللحم منذ شهرين، موضحة أنها تذهب إلى شراء الهياكل والأرجل التي زاد سعرها من ٥ جنيهات إلى ٢٠ جنيهاً (دولار)، أما اللحوم فمن الممكن أن تكون مرة واحدة في الشهر أو "صدقة" من البعض خاصة في عيد الأضحى.

أسواق الملابس المستعملة أصبحت الآن السبيل الوحيد الذي تقصده "فتحية" عندما تريد أن تقتني ملابس جديدة لها أو لابنتها، ليست هي فقط بل انضم لتلك الفئة بعض المنتمين للطبقات المتوسطة التي شارفت على الانقراض.

‏الأزمة الاقتصادية الحالية وعدم استقرار الأسعار خصوصاً عقب تعويم الجنيه، أدى إلى تقلص الطبقة المتوسطة في مصر بأكثر من 48%، لينخفض عددها من 5.7 مليون شخص في عام 2000، إلى 2.9 مليون في 2015.

‏كما أن ارتفاع أسعار اللحوم أدى إلى عزوف الأغلبية من أصحاب الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة عن شرائها؛ حيث تراوح سعر كيلو اللحمة الكندوز بين 125 و130 جنيهاً (7 دولارات)، وبلغ سعر كيلو الضأن 135 جنيهاً (7.5 دولار)، والكبدة 135 جنيهاً، واللحم المفروم بـ135 جنيهاً.


‏هروب إلى "البالة"

"بروح كل لما أعوز أجيب حاجة، الأسعار مناسبة جداً وساعات بفاصل في السعر مع البائع"، هكذا شرح أحمد أيمن (موظف قطاع خاص في إحدى الشركات) قصة تحوله من شراء الملابس من المولات التجارية والذهاب إلى منطقة "وكالة البلح" التي تشتهر ببيع البالة، عقب ارتفاع الأسعار عقب تعويم الجنيه وزيادة سعر المحروقات.

‏يذهب أحمد أيمن على فترات متفاوتة إلى "وكالة البلح" في وسط القاهرة للتسوق في عدد من المحال التجارية المشتهرة ببيع "البالة"، يقتني الملابس التي تباع في بعض الأحيان بوزن "الكيلو" أو بأسعار مخفضة كثيراً عن المولات التجارية أو الماركات العالمية.

"البالة" هو الاسم المتعارف عليه للملابس المستعملة، وهي صفة للتعبير عن الأثواب القديمة الممزقة.

في منطقة "وكالة البلح" أو "بولاق أبو العلا"، هناك بعض المحال التي تبيع الملابس المستعملة التي يقصدها محدودو الدخل أو الفقراء وتلقى رواجاً كبيراً، علماً بأن الحكومة سمحت لبعض التجار باستيراد ملابس مستعملة، في حالة ما إذا كان الشخص قادماً من الخارج ويحمل معه ملابسه الشخصية، بالإضافة لملابس البالة التي تأتي إلى مدينة بورسعيد برسوم المنطقة الحرة طبقاً لقرار وزاري رقم 770 صادر في عام 2005.


2017-05-15-1494885959-9537255-20141111_151456.jpg
تقارير رسمية توضح

‏في تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الذي صدر في يوليو/تموز الماضي، كشف أن 27.8% من السكان في مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء، مشيراً إلى أن 57 % من سكان ريف الوجه القبلي فقراء مقابل 19.7% من ريف الوجه البحري.

‏وأوضح تقرير "المركزي للمحاسبات" أن نسبة الفقر وصلت إلى أعلى مستوياتها في محافظتي "سوهاج وأسيوط" بنسبة بلغت 66 %، تليهما محافظة قنا بنسبة 58 %، وأن أقل نسبة للفقراء في مصر بمحافظة بورسعيد بنسبة 6.7 %، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة 11.6 %، كما أن 18 % من سكان القاهرة من الفقراء.

‏كما أشار إلى أن نسبة الفقراء عام 2015 هي الأعلى منذ 2000 بنسبة 27.8%، وأن نسبة الفقراء زادت من 16.7% فى عام 1999 - 2000 إلى 21.8 % عام 2008 - 2009 ثم 25.2 % عام 2011 ثم 26.3 % عام 2012 - 2013 ثم 27.8% عام 2015.

‏ونوه بأن 10.8% "أكثر من 11.8 مليون مواطن" في أدنى فئة إنفاق حيث يبلغ معدل إنفاق الفرد سنوياً أقل من 4 آلاف جنيه سنوياً أي أقل من 333 جنيهاً شهرياً (18 دولاراً)، وأوضح أن 14.7% من إجمالي الأفراد بمصر في أغنى فئة وينفقون أكثر من 12 ألف جنيه سنوياً.

كما أظهر تقرير آخر للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدر في أبريل/نيسان الماضي أي بعد تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه)، قفزة كبيرة في أسعار الغذاء الشهر الماضي؛ حيث ارتفعت أسعار الخضراوات بنسبة 7.1%، واللحوم والدواجن بنسبة 3.4%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 10.6%، والفاكهة بنسبة 7.2%، والدخان بنسبة 7.3%.


2017-05-15-1494886056-8024881-14017374231458557836.jpg
‏الأزمة الاقتصادية سبب ارتفاع الأسعار

‏محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، أكد في تصريحات صحفية أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة بمصر أثرت سلباً على السلع كافة.

وأضاف أن هناك حالة من الكساد بالأسواق بالإضافة إلى عزوف من جانب المواطنين عن الشراء، لافتاً إلى أن "ياميش" رمضان خلال الآونة الأخيرة أصبح يصنف كسلعة ترفيهية.

‏وأشار العسقلاني إلى أن الحكومة ليست لها علاقة بالأمر أو تحديد السعر أو فرض أسعار على التجار، موضحاً أن هناك حاجة لانضباط تشريعي فيما يتعلق بالقوانين الخاصة بحماية المستهلك وقانون حماية المنافسة، وقانون الاستثمار، ومن ثم تصبح الدولة ملزمة بتحديد هامش ربح أو سقف للربح.

وأوضح أن آليات ضبط السوق فاشلة في ظل ما يسمى بقوى العرض والطلب بعد سيطرة مافيا الأسعار والمحتكرين، بالإضافة إلى تسليم الحكومة المستهلكين لكبار التجار الذين يمارسون أبشع أنواع الجشع على حساب قوت الغلابة من المصريين.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الإجابة عن السؤال الصعب: مَن فجّر الربيع العبثي؟

$
0
0
المتتبع للمشهد العبثي الذي آل إليه الربيع العربي، سيلاحظ بوضوح أجواء التشفّي، بل والسخرية الغربية من هذا الربيع المزعوم، والذي على أرجح الظن أنه حِيك بليل من قِبَل النظم الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالتنسيق مع أجهزة استخبارات دول الموالاة ذاتها التي تفجّرت فيها تلك الثورات كمصر وتونس واليمن، ليس بغية هدم النظم القائمة، ولكن بغية ترميمها وإعادة تماسكها بعدما أصابها الترهل والعطب وأوشكت على الانهيار الذاتي جراء تضارب مصالح شبكات الفساد وتضخمها.

وتجري عملية الترميم تلك من خلال عمليات تبديل واسعة في الوجوه، مع إعادة إنتاج الأحزاب الكرتونية القديمة بمسميات ووجوه جديدة من رعيل الصف الثاني والثالث، بما يبدو معه المشهد وكأن ثورة حدثت، وإرادة الشعب حكمت، وذلك دون تغيير يذكر في الفكر، في محاولة خداعية تأخذ بصمة شعبية، تقول إن الشعب وصل إلى ذروة التغيير الذي يريده ورسم طريقه بنفسه، غير الوجوه المتحجرة القديمة بأخرى شابة.

وحتى هذا التغيير الشكلي الأجوف المتمثل في انتقال السلطة من الرعيل الأول للحزب الحاكم، تحت أى مسمى، من العواجيز إلى الشباب تم النكوص عنه في مشاهد كثيرة في الربيع العربي المغدور، بينما فكر النظام القديم الذى عادة يتمترس حول إضفاء التقديس على الحاكم والإسراف في "غيبيات الأمن القومى" عاد مع نفس النظام، ولكن أكثر تزمتاً وعنفاً وإجراماً وقيداً للحريات وإهداراً لحقوق الإنسان بما يحمل بصورة واضحة سخريةً من شعوبنا وشماتة في ربيعنا!


ويتجسد هذا التشفي وتلك السخرية من خلال استعراض هذه المشاهد الكاشفة، فثورة الشباب في تونس التي كانت باكورة ثمار هذا الربيع تمخضت عن رجل تسعيني قضى من العمر أرذله، والمصريون الذين خرجوا ضد حكم العسكر في يناير/كانون الثاني، راحوا ينصبون "رئيس المخابرات العسكرية" وهو المنصب الذي يجسد عمود خيمة العسكر في أي بلد في العالم، رئيساً للجمهورية وقائداً ملهماً للقوى المدنية!! واليمنيون الذين خرجوا غضباً من الفساد والتمييز بين الشمال والجنوب، راح الحوثيون الشماليون يسيطرون على المشهد برمته شمالاً وجنوباً، كما أن ثمار انتخابات الرئاسة في الجارة الجزائر توضح المعنى وتقويه كما يقول علماء البلاغة.

ولكن ما علاقة الغرب بما يحدث في بلدان ربيعنا؟ ومن أين جاء هذا الاتهام؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن يتم طرحه وأن أجيب عليه.

فالغرب راح يهلل لانتكاسات الربيع العربي عامة والمصري خاصة؛ حيث أضفى شرعية على الانقلاب العسكري في مصر، حينما سمح لقائد الانقلاب بالتجول بين مدنه، وتمثيل مصر في الأمم المتحدة، وحينما زمجر أوباما ثأراً لناشط يقول إنه مسّه ضر في عهد مرسي، بينما صمت صمت القبور عن قتل الآلاف وحرقهم والتمثيل بجثثهم، وعن اختطاف الديمقراطية ونحرها أمام العيان.

حينما قال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إن 99% من أوراق اللعبة في يد أميركا لم يقلها من باب "طق الحنك"، ولكنه كان على الأرجح يقصد أن يقول إن بلادنا ليست مستقلة كما تتوقعون، وإننا ما زلنا بلداً مستعمراً انتقل من طور الاستعمار العسكري المباشر إلى الاستعمار غير المباشر، عبر مؤسسات أمنية وعسكرية وإعلامية وحقوقية، بل ونخبوية، ينتمى نافذون فيها للخارج، ثم استغل هذا الطرح الذي لم يقرأه كثيرون لوقعه الصادم على المتلقي الذي تربّى على زخم طويل من مهرجانات الاستقلال ثم مهرجانات الصمود ثم مهرجانات النصر، إلى طرح آخر استطاع الجميع قراءته وهو تعبيد الطريق لاتفاقية "كامب ديفيد" التي تعني بشكل يسهل اكتشافه الإذعان لمطالب إسرائيل وجعل سيناء رهينة لها تحكمها "عملياً"، بينما تحكمها مصر "نظرياً"، بل إن هذا الجانب "النظري" متى شاءت إسرائيل أن تسترده أيضاً فلن يكلفها الأمر إلا عشيةً وضحاها.


والحقيقة أن الاستعمار غير المباشر هنا ليس محصوراً في التحكمات الاقتصادية الغربية فحسب، بل يتعداها لمستويات أخطر بكثير، فالاستعمار هذه المرة نَصَّب بعضاً منا يحكموننا لصالحه نيابة عنه، ذلك مروراً بأسلحة نستوردها منه يستطيع هو أن يعطبها في مخازنها، متى كان استخدامها ليس على هواه، وذلك من خلال التحكم بشفرات تتصل بها أقماره الصناعية التي تملأ الكون، وهو ما يقال إنه حدث في المشهد العراقي ومن بعده الليبي، ما يجعل عملية التسلح في بلداننا عامة هي بمثابة "انتصار للبائع" وليس للمشتري، فهو يبيعها ويحدد معها ضحاياها!

ويقال إن بريطانيا تخلت عن مستعمراتها القديمة لأميركا عام 1951 فارتأت الأخيرة أن نظام الاستعمار العسكري القديم لم يعد مناسباً لروح العصر، فضلاً عن أنه باهظ التكلفة المادية والأخلاقية فراحت تتبنى هذا النوع من الاستعمار الحديث فيما يعرف بـ"النفعية والواقعية السياسية"، بحسب مؤسسه "نيقولا مكيافيللي".

وكان مكيافيللي قد سرد لأميره ثلاث وسائل لغزو إحدى الإمارات المجاورة، وسرد مع كل وسيلة عيوبها.
فنصحه بتجريد قوة كبرى لغزو تلك الإمارة، لكنه حذره من حدوث انقلاب عليه فى الداخل فيكون قد كسب أرضاً جديدة وخسر أرضه القديمة.

وعرض عليه أن يجرد حملة كبرى بقيادة قائد الجيش ليغزو تلك البلاد، لكنه حذره من أن ينشق هذا القائد فيكون قد أنفق أمواله وجيشه على جيش العدو الجديد.

وفي ثالث الاقتراحات، عرض عليه أن يذهب بجزء من قواته ليغزو تلك الإمارة فيستذل أكارمها وأغلبيتها، ويدلل حقراءها وأقليتها وينصَّب منهم حاكماً على البلاد بعد أن يجهز لهم حامية عسكرية تتبعه للتدخل وقت الحاجة، وقال له إن هؤلاء الأقليات سيناصبون شعبهم العداء، وسيقمعونه بأبشع ما يمكن أن تقمعهم أنت به، وسينهبون ثرواته ويعطونها لك تقرباً إليك؛ لأنهم سيحتاجونك دوماً لقمع شعبهم، فضلاً عن أنهم لو انتكسوا بفعل ثورة عارمة فلن يطالك من الانتكاسة شيء ويتحمل هؤلاء الخسارة كلها.

وأخيراً.. ورغم كل مشاهد التراجع التي يعيشها الربيع العربي، فإنني على يقين بأن الثورة ستنتصر نصراً مؤزراً في نهاية المطاف؛ لأن روح الشباب ومثابرته أبقى من البارودة والزنزانة وأكثر حيلةً وحسماً منها، كما أن حيل الثورة المضادة القمعية لا تناسب روح العصر.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ترنيمات - الجزء الثالث

$
0
0
البئر

دفعت غطاء البئر المصنوع من الحجر الصوّان ما وسعتني طاقتي، حتى غمرني العرق ونال منيّ الإجهاد والتعب وأخيراً بعد فترة بدأ الغطاء يستجيب ويتحرك من مكانه ببطء حتى بانت فتحة البئر الغويطة المظلمة.

ألقيت حبلاً غليظاً لقاع البئر وربطته بإحكام بطرف الغطاء ثم نزلت ببطء في رحلة أقوم بها كل فترة كلما افتقدت أشياء أخفيها عن العيون وعن نفسي التي بين جنبَي، فلا أمان لها إلاّ ببئري العميقة.

وأخيراً وصلت للقاع لتغمرني المياه حتى رقبتي باردة تخدّرت منها أطرافي، فأخذت نفساً عميقاً ثم عُصت لقاع البئر لأصل لصندوق خشبي مطّعم بحواف فضية ومربوط بسلسلة حديدية غليظة تمنع طفوه على وجه المياه.

جلست بقاع البئر كاتماً أنفاسي وفتحت الغطاء ثم تحسست ذكرياتي وحياتي السابقة ولمست بيديّ مرارات الفقد وأحصيت أمنياتي الضائعة؛ لتنحدر دمعة ساخنة من عيني تحيل برودة المياه لدفء انتشر في أوصالي.

أعدت الصندوق لمكانه، وتسلّقت الحبل لأخرج من البئر ثم حرّكت الغطاء الحجري لموضعه ثم مضيت إلى لا مكان.

"تهديد خفيّ"

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة صباحاً بقليل، برودة الخريف في ذلك الوقت، تجعل الشارع الهادئ يكاد يخلو من المارة.

خرجت لعملي مبكراً في هذا اليوم لبضعة أمور تستدعي العجلة، وما إن شرعت في عبور الطريق إلاّ وقد وجدته أمامي بطوله الفارع ولحيته الكثيفة وقدميه الحافيتين ومعطفه الثقيل الذي يغرق فيه حتى أذنيه وهيئته الغريبة فأثار خوفاً بداخلي سرعان ما بددّه ضوء الصباح الباكر.

عاجلني بإلقاء تحية الصباح بأدب جم لا يتناسب مع عملقته وقسوة هيئته، توجست خيفة منه وترددت في مبادلته السلام بصوت مسموع، فقصرت الأمر على غمغمة تؤدي الغرض.

صمت قليلاً وحّدجني بعينين باردتين كأعين الموتى وقال: زمن طويل مرّ على لقائك بنا، ويبدو أن مشاغل الحياة لديك قد منعتك من التواصل معنا والسؤال علينا.

لذا قررت أن آتي إليك لإبلاغك أنك تجاهلتنا كثيراً وآن الأوان أن تعود لصحبتنا، واعلم أنيّ قد أتيتك هذه المرة للتحية والسلام والتذكرة وفي المرة القادمة سوف نأتي إليك جميعاً.

أفقت على صوت مفزع لآلة تنبيه لسيارة تقطع الشارع سريعاً فسرت في جسدي رجفة كبيرة.

إيقاع حزين

اقتربت عربة حنطور تميزها خطوات رتيبة الإيقاع لحوافر حصان على أسفلت الشارع، كان الوقت يقترب من المغرب بأحد أيام شهر يناير/كانون الثاني الباردة حيث يحل الظلام سريعاً ليلفّ الكون بعباءة سوداء ثقيلة مصحوبة بريح باردة تجبر الناس على المكوث بمنازلهم.

أثارت إيقاعات العربة بعض الجيران فطلت رؤوس تستطلع بدافع من شغف وفضول متأصل بين الناس في الأحياء الشعبية.

توقفت العربة أمام منزل صغير، نزل منها بضعة نفر تبدو على وجوههم غلظة غير مألوفة، ثم دقات على الباب، فتحت الزوجة الباب موارباً لتسأل من الطارق؟

ردَّ أحدهم نحن إخوة زوجك وقد جئنا في زيارة من بعيد وسوف نصحبه الآن في رحلة لن تستغرق أياماً معدودات ثم يعود سالماً.

رجف قلبها بشدة، فمع مرض زوجها الشديد وعجزه عن الحركة لفترة قصيرة فلن يصمد أبداً لرحلة طويلة، وبوجل رحبّت بقدومهم.

أسرعت إلى زوجها في فراشه تتعثر في خطاها لتخبره بالقادمين بالخارج، وأخبرته بنيّتهم اصطحابه في رحلة طويلة ورجته متوسلة أن يرفض وأخبرته دامعة بقلق يساورها وخوف يتعاظم بداخلها من هذه الرحلة الشاقة.

سعل بشدة ثم ضحك قليلاً، مهدئاً من روعها وقال: ربما لا يزال في العمر بقية ولا ضير من زيارة للأهل في البلاد البعيدة.

- لكننا نحتاج إليك ونخشى فراقك، وبنوك ماذا أقول لهم في الصباح إن لم يجدوك في فراشك؟

سوف أقبّلهم قبل ذهابي ورجاء لا تُثقلي عليّ.

فرَّت دمعة ساخنة من عينيها فأخذها في حضنه وقبّل رأسها، وقال: لنا موعد لن نُخلفه.

وأسرع لإخوته والعربة في انتظارهم، ركب معهم يصحبه سعاله الشديد ودموع زوجته تنحدر على خدّيها فتحيل برودة ليل يناير إلى لهيب لافح للوجوه.

وما زالت الزوجة، كلمّا هلّ يناير من كل عام تقف على ناصية الشارع تنتظر قادماً لن يأتي أبداً وتعي أن مَن ذهب لن يعود ولا يزال قلبها ينقبض بشدة كلما تناهى إلى سمعها إيقاعات عربات الحنطور.

عباس

"عباس" لم يكن يملك من الدنيا سوى بنية جسدية قوية وطول فارع وسلاطة لسان يُسمع به من وقع بحظ عاثر في طريقه سيئ اللفظ وقبيح الكلم.

عاش خيال الفتونة وتشربت بها نفسه فترة طويلة، تأثراً بأفلام عربي قديمة أو افتتان بقصص وحكايات الفتوات من رفاق الطريق من الأشقياء، فراح يبسط سطوته وسيطرته على حارة لا يقطنها سوى جمع من الفقراء وبعض صغار الموظفين.

والناس على ضيق حالهم وفقرهم كانوا يغفرون له وقاحته وخياله المريض بالفتونة ورأوا فيه تسلية تُعينهم مع الصبر على واقعهم المرير.

عاش "عباس" معتقداً أنه فتوة زمانه، فرآه الجميع مسخاً مشوّهاً لا يساوي في الدنيا أكثر من نبّوته الذي كان يتأبطه ليل نهار.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عالم بلا سيسي

$
0
0
انفرد بنفسك قليلاً، واسألها: كيف كان العالم قبل ظهور عبد الفتاح السيسي، على المسرح محمولاً في صندوق فاخر، مكتوب عليه "صنع في إسرائيل بتكنولوجيا أميركية وبتمويل سعودي إماراتي"؟

احسبها على كل المستويات، أمنياً واقتصادياً وإنسانياً، دعك من السياسة الآن. هل كان"داعش" بهذا الحجم المخيف؟ هل كان الشارع بهذا الرعب والتوحش؟ هل كان الإنسان بهذه البلادة في الإحساس، التي تجعله يصفق للظلم وللقمع وللإهانة، ويتعاطى بنذالةٍ وخسّةٍ مع الحق والعدل والكرامة، خوفاً من عقاب، أو طمعاً في مكافأة من الظالم، كما ترى حولك وتسمع هذه الأيام؟

احسبها في مصر، وفي الدول العربية، واضعاً أمامك مؤشر الحالة الإنسانية، في البداية، ستكتشف عديداً من علامات الانهيار الشامل في منظومة العلاقات بين المواطن وجاره، أو زميله، أو حتى أخيه، وبين المواطن والوطن نفسه، ستجد أن الشعب العربي دخل في أتون حالة اغترابٍ مرعبة، بالمفهوم الوجودي، سواء كان في وطنه، أو راحلاً عنه إجبارياً.

أنظر، مثلاً، تحولت مطارات العرب والعالم من أماكن للبهجة والدهشة إلى أكمنة خطر، لا يعلم القادم إليها إن كان سيمرّ مرور الكرام، أم سيجد من يعتبره صيداً ثميناً، للاستثمار في سوق الحرب على الإرهاب.

ثم انظر حولك مرة أخرى، ها هي "البسوس" و"داحس والغبراء" اشتعلت مجدّداً، بامتداد خارطة الوطن العربي، وتطورت المسألة من خلافاتٍ بين الأنظمة إلى ما ينذر بتحولها إلى اشتباك شعوبي ممجوج، في ظل التحريض المتواصل على مدار الأربع وعشرين ساعة، من منابر إعلامية، عربية، تعتبر أن ما بينها وبين أفيخاي أدرعي، من ارتباطاتٍ، أقدسُ مما بينها وبين الشقيق العربي من روابط دم ودين ولغة وثقافة.

وهذا كله منبته ما جرى ويجري على مستوى الداخل المصري، حيث كل ما يصدر عن عبد الفتاح السيسي ونظامه من أقوال أو أفعال أو قراراتٍ وتشريعات، يبدو مثل براميل من المازوت تُلقى، بوعيٍ، لإضرام حرائق الفتنة الطائفية، بين مسلمين ومسيحيين، وتأجيج الجحيم المجتمعي الذي افتتحه السيسي في 2013 بمحرقتي رابعة العدوية والنهضة، وما جاء بعدهما من حرائق نفخ فيها فاسدون وأشرار من النخبة السياسية والثقافية.

هذه المأساة من التغييب الكامل لاعتبارات الروابط الأسرية، والإنسانية، التي جعلت الأخ يبلغ عن أخيه، والجار يرقص في هيستيريا، بينما جنازة جاره تمر أمامه، والموظف يفترس زميله، ويشي به، تزلفاً للمدير، يراد لها أن تتسع وتتمدّد الآن، ليتم تعميم الحالة المصرية نموذجاً حاكماً للعلاقات العربية- العربية، وما نراه من جنونٍ في إدارة الخلاف الخليجي- الخليجي هذه الأيام، هو مستصغر الشّرر الذي تسعى الأطراف ذاتها التي أحرقت مصر، لتحويله إلى جحيم إقليمي مستعر.

حريٌّ بكل إنسان عربي، في هذه الأيام المباركة، أن يصوم قليلاً عن الصياح الهستيري بشعارات الوطنية الزائفة، وأوهام الريادة، في وطنٍ صار كله تابعاً منقاداً، ويحاول أن يجدّد إنسانيته، ويكون مع العدل والحق، مع الإنسان.

وقبل ذلك أدعوه، مرة أخرى، لكي يقارن بين خارطة المنطقة قبل ست سنوات، مع بزوغ فجر الربيع العربي، والكابوس الإقليمي الذي يحاصر الجميع الآن، ليرى كيف أن العالم كان أكثر إنسانيةً وسلامةً نفسية حين كان هناك احترام لحق الشعوب في الحلم بالتغيير.. أما وقد تكأكأت الضباع والسباع على مروج الربيع، فقد نشب الحريق.. جاء السيسي فانتعش "داعش"، فاستأسد الحوثي فاستقر الأسد. وهكذا مضت متوالية الانقلاب على أجمل من أنجزه العرب في العام 2011، فصار العالم أقلّ تحضرا وأوهن أمنا.

الذين يستثمرون في الخراب الأممي الشامل، وينفقون، بسخاء، على المقتلة الدائرة في مصر، ويبدّدون موارد الشعوب وطاقاتها، في الإنفاق على مشروع عبد الفتاح السيسي، يبدون وكأنهم يلبون دعوة إيهود باراك، أكثر مجرمي الحرب الصهاينة شراسةً ضد العرب، حين قال في مقابلة مع فريد زكريا، على CNN عقب انقلاب السيسي مباشرة "أعتقد أن العالم بأسره يجب أن يدعم السيسي، ربما إذا دعمناه نحن فسوف نحرجه، ولن يساعده ذلك، ولكن السيسي والقيادات الليبرالية، مثل البرادعي، يستحقون دعم العالم الحر، لقد جرى انتخاب محمد مرسي بنزاهة نسبيا، ولكنه استخدم الأدوات من أجل تحويل الانتخابات الديمقراطية إلى نظام شمولي متشدد يستند إلى الشريعة الإسلامية، وقد رفضه شعبه".

مرة أخرى، حٓكِّم ضميرك، وجدد إنسانيتك، وقارن بين شكل العالم، قبل عبد الفتاح السيسي وبعده.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حجبوك فقالوا

$
0
0
إذا صح أن فى مصر ٢٣ موقعا إلكترونيا تدعم الإرهاب والتطرف وتدعو إلى العنف إلى جانب تعمد نشر الأخبار الكاذبة، فذلك يعنى أحد أمرين، إما أنها بلا قيمة ولا وزن بدليل أنها لم تحرك شيئا فى المجتمع المصرى، أو أن مصر بسببها فى الطريق إلى استنساخ النموذج الصومالى أو الأفغانى، وهو ما تستبعده وتنفيه شواهد الواقع. وإذا صح ذلك فمعناه أن ثمة أسبابا أخرى لإصدار القرار الذى نشرته الصحف المصرية يوم الجمعة ٢٦ مايو منسوبا إلى مصدر أمنى بوزارة الداخلية.

تساعدنا عدة قرائن فى تحرى تلك الأسباب الأخرى. من ذلك مثلا أن المواقع التى تم حجبها ليست ذات طبيعة واحدة. فبعضها مواقع لصحف قطرية حجبت من باب الكيد السياسى، والبعض الآخر مواقع لقنوات وعناصر إخوانية معارضة مقيمة بالخارج. البعض الثالث والأهم لصحف مرخصة تصدر فى مصر، أو لشركات صحفية تنشط فى الداخل بشكل قانونى. مشكلتها أنها مواقع مستقلة ليست لها صلة بالكيانات السياسية المصرية. كما تردد وجود اسم الموقع الرسمى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومى ــ (إى جى نيوز)، الأمر الذى يعنى أن الأمر لم يدرس جيدا.

إذا فهمنا الدوافع السياسية التى أدت إلى حجب مواقع الصحف القطرية والمواقع الإخوانية، فإننا لا نفهم سببا منطقيا لإدراج المواقع المصرية المستقلة أو المواقع الاقتصادية المتخصصة. وهو ما يدعونا إلى القول بأن الزوبعة الأخيرة التى شهدتها منطقة الخليج دفعت السلطات المصرية إلى التعبير عن التضامن مع بعض أطرافها من خلال حجب مواقع الدولة المشتبكة معها. فى الوقت ذاته فإنها انتهزت الفرصة لكى تضم إلى القائمة المواقع المصرية غير المرضى عنها، لا لشىء سوى أنها مواقع مهنية ومستقلة، لا تتلقى التعليمات وخارجة على سيطرة أجهزة التوجيه المعنوى.

على صعيد آخر فإن السياق الذى تم فيه الحجب يوفر قرائن إضافية. إذ إلى جانب حملة التحريض التى تحركها الأجهزة الأمنية وتقودها الصحف القومية ضد المواقع المستقلة (الحملة لها صداها داخل أروقة مجلس النواب)، فإننا نلاحظ مؤشرات عدة تدل على تزايد سيطرة السلطة على المجال العام. تبدى ذلك فى بسط تلك السيطرة على القنوات التليفزيونية، وفى تشكيلات القطاع الإعلامى وتعديل قانون السلطة القضائية وأخيرا فى إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذى يجعل مصيرها مشروطا بإجازة الأجهزة الأمنية. وحين يتزامن ذلك مع حملة اعتقال النشطاء وإجراءات قمع العمال المضربين، فإن حجب المواقع المذكورة يغدو حلقة فى السلسلة التى يبدو تقييد الحريات العامة قاسما مشتركا بينها، والصلة بينها وبين ترتيب الأوضاع قبل الانتخابات الرئاسية القادمة أمرا غير مستبعد فى نظر البعض.

إذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما قيل عن دعم المواقع التى تم حجبها للإرهاب ودعوتها للعنف يبدو غطاء للحقيقة، يستلهم خطاب المرحلة الذى يتذرع بمكافحة الإرهاب لقمع المستقلين وتصفية المعارضين وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. أما الحقيقة فتتمثل فى سياسة استكمال تشديد القبضة وتقييد الحريات العامة، ومنها حرية التعبير، بحيث لا يسمع إلا الصوت المرضى عنه، وهو ما يدخلها فى مرحلة «لا صوت يعلو فوق صوت الأجهزة».

لا أستغرب موقف أبواق الأجهزة التى احتفت بالحجب وبررته وانتقدت تأخير تقريره، لكننى استغرب موقف نقابة الصحفيين التى يفترض أن تكون حاملة لواء الدعوة إلى حرية التعبير ورفض الحجب والمصادرة وكل صور تكميم الأفواه. ولا تسأل عن العناصر «الليبرالية» واليسارية التى نسيت قيمها ومبادئها وانضمت إلى مواكب التصفيق والتهليل.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أوراق حبٍّ مسرَّبة

$
0
0
منذ نعومة أظافرنا وتجذبنا مشاعرنا إلى أشخاص قد لا تربطنا بهم أي علاقة اجتماعية مسبقة ودون سابق إنذار، ولا حلقة مداولة بين قلوبنا وعقولنا، هذا ما يسمونه الحب الذي لا تحكمه قواعد ولا تضبطه قوانين، هو القلب فقط صاحب القرار فى هذه المسألة.

تطور مفهوم الحب معنا بمرور سنوات عمرنا وحالة النضج التي اكتست بها عقولنا وقلوبنا أيضاً، فبدايته كانت بهذا الشعور الفطري الذي يجمع بيننا وبين أمهاتنا، حب مجرد ليس بحاجة إلى أي مقومات حتى يكتمل بناؤه، حب لم نصنعه بل نستطيع أن نقول إنه هو الذي صنعنا، وهذا الحب الفطري يلازمنا طوال حياتنا حتى بعد الفقدان تبقى آثاره متجذرة في داخلنا، وتحيا أرواحنا على ما بقي من المشاهد التي استطاعت ذاكرتنا حفظها.

بعد ذلك تأخذنا مشاعرنا إلى علاقة جديدة، وفيها لا تحتاج مشاعرنا إلى أي دوافع لكي تتحرك وتنجذب إلى طرف العلاقة الآخر إلا الإحساس بالثقة فقط حتى يستقيم بنيان تلك العلاقة، أنا هنا أتكلم عن الصداقة، تلك العلاقة التي قال عنها الإمام الشافعي:
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ** صديق صدوق صادق الوعد منصفا

هذا الشخص الذي يستقرئ مشاعرك من أول لقاء بينكما، وتشعر معه بحالة من التطابق في اهتماماتكما وشعور بالأنس في ملتقياتكما، لا تجد حرجاً أن تحكي له أدق تفاصيل حياتك دون خوف أو قلق، فعلى العكس تماماً بل تشعر بتلك الراحة الغريبة والفريدة التي تكتسي بها نفسك، فهمومكما وأحلامكما وأوجاعكما واحدة، تستشعر دائماً أنكما معاً في خندق واحد، فإن أصابك مكروه يتألم لك، إن سعدت بأمر وجدته أسعد منك، فكما قالوا عنها فإن الصداقة هي طاقة لا يمكن للإنسان العيش بدونها، فمن وجد صديقاً يشعر معه بتلك المشاعر الرائعة فلا يفرط فيه.

تنقلنا مشاعرنا بعد ذلك إلى ميدان مستعرة فيه الحرب، والذي تبقى فيه تصارع حتى تصل إلى تلك الجولة، التي في كل الأحوال أنت فيها مهزوم، ولكن ليست هزيمة عادية، بل هزيمة بالضربة القاضية.


هذا هو الحب الذي يأسرك ويقودك إلى جزيرة منعزلة تنتفي فيها عنك صفة الفاعل، فأنت فيها دائماً مفعول به، فبطبيعته يأتي على حين غرة من دون سابق إنذار، فيه تفقد السيطرة على كل شيء حتى جوارحك فهنا تختل الموازين، وبرغم ذلك كله تحتويك سعادة كبيرة لم تعِشها من قبل، هل سمعت من قبل عن أسير ويشعر بالسعادة؟! لذلك يتهمون أحياناً أصحاب هذه المشاعر بالجنون، ولكنه جنون ممتع، تعد تلك العلاقة هي الأكثر تأثيراً على حياتنا فبناء على نتائجها إما نستمر في المسير أو أن نقف منكسرين بعد هزيمة موجعة يبقى صداها معنا باقي حياتنا، في هذا الميدان كل ما عليك فعله هو اقتناص الفرصة وعدم التخلي عنها مهما كانت التضحيات.

وفي لحظة معينة حينما ننتبه نجد أن مشاعرنا تشير لنا إلى حب فريد من نوعه، حب نستطيع أن نقول إنه هو المظلة الكبرى لكل ما نعيشه من مشاعر في مختلف مراحل عمرنا، هو حب الله الذي لا يحتاج منا فقط إلا النظر بعمق حولنا والتأمل في كل شيء يحيط بنا؛ لنعلم أن هناك مَن يستحق أن نوجه له كل مشاعر الحب، وأن يكون حبه سبباً لوجود تلك المشاعر التي تكلمنا عنها آنفاً، هذا الحب قال عنه الإمام ابن القيم رحمه الله: "الشوق إلى الله ولقاؤه نسيم يهب على القلب ليذهب وهج الدنيا"، فليكن حب الله هو المحرك والدافع لمشاعرنا تجاه الآخرين، وعلاقتنا بهم، مهما كانت طبيعتها.

وأخيراً لم تعد مشاعرنا سراً نداريه، بل أصبحت أوراق حبٍّ مسرَّبة.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

"مقاطعة هُت"

$
0
0
"برغوثي: إذا أردت كسر الإضراب، من الأفضل أن تطلب بيتزا"، هكذا أوردت الشركة العالمية - فرع الكيان الإسرائيلي في محتوى دعائي مستهزئة بمعركة الأمعاء الخاوية التي يخوض غمارها الأسرى البواسل في سجون العدو.

تصرف كهذا تقوم به الإدارة الإسرائيلية للفرع في كيانها هو بمثابة استعانة بصديق لإفشال انتصار الأبطال وتثبيط هممهم بالتصعيد، وذات رسالة مدلولها بأن معركة الأمعاء الخاوية انتصرت ولا نقوى على ردعها.

أظهر الفيديو الملفّق للبطل مروان البرغوثي بأنه يتناول البيتزا في زنزانته والمنشور على صفحة الفيسبوك الخاصة بالفرع، وبعدها تبرز العبارة أعلاه في بداية المقال استهزاءً بإضرابه والأبطال بمعركتهم، وما ذلك إلا إفلاس للكيان الصهيوني بأن يتخذ من الشركات العالمية سلاحاً شريكاً له في التصدي لهذا الإضراب.

على عكس ما ظنّ أهل الفبركة أن هذا الفيديو سينال من جبهة الدعم الشعبية ويضعف قواهم تجاه الأبطال ومساندتهم، ما زادهم ذلك إلا إصراراً وعزيمةً عبر الدعوة إلى مقاطعة الشركة بكافة أفرعها في العالم، وظهرت في العديد من منصات التواصل الاجتماعي هجوماً شرساً على الشركة تبناه المؤيدون لإضراب الكرامة، وكانت حملة مقاطعة إسرائيل؛ كُبرى حملات المقاطعة العالمية قد دعت بكلّ ثبات وعزيمة لمقاطعة الشركة في كلّ أفرعها في العالم، جاء بعد هذه التهديدات والتصعيدات للفعاليات الشعبية اعتذار من الشركة الأم وبيان بخصوص ما حدث، قبيل الاعتذار تمّ حذف المحتوى المنشور على صفحة الفرع.

نستذكر هنا حكمة أحدهم، فقال: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً، وإذا تفرقن تكسرت أحاداً.

في ذلك دلالة واضحة على عظم التأثير الشعبي حينما يتحد بكافّة أطيافه، كما قيل فإن بالاتحاد قوة، وخير القوة ما فيه جلب لكرامة سُلبت واستعادة عزّة أوطان نُهبت!

أشيد بالموقف البطولي للحملة العالمية لمقاطعة كيان العدو والمستنهض لهمم الشعوب بمساندة القضية الفلسطينية؛ قضية الأمم، والمحافظة بثبات على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الداعمة له، وهنا أذكر دعوتهم المستمرة للاستمرار في مقاطعة شركة "بيتزا هت" لحين إغلاق جميع أفرعها داخل الكيان وإيقاف كافة عملياتها في الداخل.

يُذكر أن الممثل الذي قام بدور مروان البرغوثي في الفيديو قد تقاضى مبلغ ١٠ آلاف دولار! يحاولون جاهدين بتسخير المال لمجابهة عزيمة الأبطال، لا يعلمون أن المال لا يقوى على النيل من الأحرار.

أكرر ما كتبت مسبقاً في مقالي: "دربنا إلى الكرامة" بإسهاب حول المقاطعة وبأن سلاح المقاطعة ما يجب أن نشهره في وجه المنتجات والشركات الإسرائيلية والداعمة للكيان، بذلك خير نصرة للأبطال.

أقلّ ما نفعله إزاء قضيّة الأسرى ومعركتهم المستمرة هو التمسك بسلاح المقاطعة، وترسيخ المقاطعة كثقافة حياتية وسلوك يومي لمجابهة العدو وضرب نواة شرّه: الاقتصاد، حتى نضمن نجاحات حقيقية مثمرة على أرض الواقع؛ لنبذ العدو وإجهاض مشاريعه الإمبريالية.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

اختلاف أساليب التربية بين الأبوين مضر بالأبناء

$
0
0
ما أطلبه وأرجوه في المقابل من الآباء وبشدة، هو التخلي الكامل عن سياسة شد الحبل وإرخائه من قِبل الأبوين؛ لأنها مضرة بالأبناء، والوقوف بدلاً من ذلك معاً في خط واحد.

دُعيت مرة لعشاء عند عائلة هولندية، كنا قد انتهينا للتو من العشاء، وتحلقنا حول الطاولة نأكل بعض الحلويات والفواكه، عندما سأل الطفل أمه إن كان بإمكانه الحصول على قطعة أخرى من الحلويات، ردت بالموافقة.

أمسك الطفل القطعة ورماها في فمه بسرعة خارقة، في تلك اللحظة انتبه الأب لما يحدث ووجّه كلامه لزوجته قائلاً إن ابنهما سأله قبلها نفس السؤال عندما كانت هي مشغولة بجلب بعض الأغراض، لكنه لم يسمح له.

ما راعني في تلك اللحظة إلا والأم تدخل يدها في فم الطفل وتسحب القطعة مفتتة من بين أسنانه وهي تقول: إذا أخذت جواباً من أبيك، لا تسألني مرة أخرى؛ لأن جوابه هو جوابي.


ذهلت من قساوة المشهد وسرياليته، وأحسست بشيئين متناقضين في نفس اللحظة: من جهة تألمت لمنظر الطفل وأمه تدخل أصابعها بالكامل في فمه، وتشد شدقيه ساحبة بقايا الحلوى من فمه، في حين احمر وجهه وتناثر لعابه، ودمعت عيناه (لكنه لم يبكِ) ومن جهة شعرت بصرامة التربية وجديتها وقسوتها في أحيان كثيرة على الأبناء والآباء على حد سواء، من أجل إيصال معلومة مهمة ورئيسية مفادها "أنا مسؤول عن تربيتك، وهي مسؤولية كبيرة وقاسية فدعني أقوم بها بالشكل المناسب الذي يجعل منك رجلاً صالحاً أو امرأة صالحة وساعدني في ذلك".

واحد من أكثر العوامل المعرقلة لعملية التربية داخل الأسرة هو اختلاف الأب والأم حول مناهج وأساليب تربية أبنائهما، كأن تتصف هي باللين والرفق، في حين يتصف هو بالشدة والصرامة، وهو الأسلوب الذي اُعتبر لسنوات طويلة الأمثل؛ لأنه يراوح بين القسوة واللين واللطف والشدة، ويطبق سياسة "شد الحبل وإرخائه".

يُفترض بعملية التربية أن تكون بديهية سلسة ومسيرة لنفسها، وهي في الحقيقة ليست أكثر من الأفعال وردود الفعل التي تنتج بين أفراد الأسرة الواحدة.

كل فعل يستوجب رد فعل واحداً مطابقاً له في القوة والعمق، فإذا نتج عنه ردا فعل مختلفان، اختلط الأمر على الأبناء والتبست عليهم الرؤية وفقدوا الاتجاه، فأي الأبوين صحيح في هذه الحالة؟ لمن يستمعون؟ من هو القائد؟ لمن يكون ولاؤهم؟ وغيرها من الأسئلة المحيرة التي تبدأ في شق طريقها إلى عالمهم الصغير إلى أن تقسمه نصفين، وتُحدث فيه خللاً غير قابل للعلاج.


عدم الاستجابة للأوامر والنصائح، وعدم الالتزام بالقوانين واللوائح الداخلية للبيت، وعدم ترتيب الغرفة ورفض الأطعمة، والدخول في حوارات طويلة ومرهقة، والانفعال الزائد، هذه بعض العلامات القليلة والأولية على أنكما كأب وأم تواجهان مشكلة تربوية في التعامل مع أبنائكما. ورغم أن الجميع يمر بمواقف ومشاكل من هذا النوع فإن استمرار هذه العلامات لفترة طويلة يحتاج من العائلة الاعتراف بأنها تواجه أزمة حقيقية وجدية في تربية أبنائها، وهي أزمة تربكها وتشعرها بالعجز وعدم الثقة وتهز من أمنها وسلامتها، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو تفاوت واختلاف أساليب التربية وردود الفعل بين الأبوين.

لا أطلب من الآباء أن يدخلوا أصابعهم في أفواه أبنائهم، ولا أرجو أن يصل الأمر إلى هذا الحد، لكن إذا وصل فعلاً، فلا مفر ساعتها من التحلي ببعض الشجاعة والصرامة لإنقاذ العملية التربوية من السقوط في الاختلاف والإسفاف والتناقض.

ما أطلبه وأرجوه في المقابل من الآباء وبشدة، هو التخلي الكامل عن سياسة شد الحبل وإرخائه من قبل الأبوين؛ لأنها مضرة بالأبناء، والوقوف بدلاً من ذلك معاً في خط واحد، واتخاذ موقف واحد ورد فعل واحد من تصرفاتهم؛ لأن في ذلك رسالتين مهمتين أو أكثر: الأولى أن الأب والأم متفقان ومتناغمان وهو ما من شأنه أن يشعر الأبناء بالأمان والسعادة، والثانية أن عملية التربية ليست عملية عشوائية تخضع لأهواء ومزاج الأب أو الأم، ولكنها منهج دقيق مبنيّ على الفعل ورد الفعل المناسب، وهو في كل الأحوال رد فعل واحد لا يقبل الاختلاف.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نساء مصر ينتفضن ضد التحرش الرمضاني في هاشتاغ "رمضانكم مش كريم"

$
0
0
أثار هاشتاغ " #رمضانكم_مش_كريم" زوبعة من الآراء المتناقضة جداً على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر؛ حيث دوّن عليه عدد من النساء والفتيات المصريات ما يلاقينه في نهار رمضان من تحرش لفظي وجنسي مختلف بعض الشيء عن التحرشات التي يلاقونها طوال العام!

نعم، تعاني نساء مصر كل عام من التحرش في رمضان، لكن الجميع يصم آذانه ويغمض عيونه عن الحقيقة؛ لذلك كان هذا الهاشتاغ صادماً للكثيرين في حكاياته، بقدر ما كان موجعاً لآخرين.

يختلف التحرش الرمضاني عن التحرش باقي العام حيث يضفي عليه المتحرشون في رمضان مسحة دينية، والدين منهم براء في هذا بالطبع، لكنهم يحشرونه في أفعالهم التي تتناقض تماماً وفحوى الصيام وطبيعته، مبررين تحرشهم بالصيام نفسه؛ حيث يعلقون على أجساد الفتيات في تأفف وقرف واشمئزاز من ملابسهن، معللين ذلك بصيامهم؛ حيث تحدثت أغلب الفتيات عن متحرشين من نوعية "إيه اللي انت لابساه ده.. اللهم إني صائم" أو "احترمي نفسك والبسي عدل ما تفطريناش"، أو "اقعدوا في بيوتكم أنا تعبان هتفطروني" وغيرها من الشتائم البذيئة المتعلقة بالجسد وبالملابس، ومع أن الفتيات يقسمن أن ملابسهن طبيعية جداً، فإنهن من وجهة نظر المتحرشين في رمضان سبب في إبطال صيامهم، الذي من الأولى أن يحافظوا عليه هم بكبح الشهوات وغض البصر ومحاربة النفس!

وقد اتهم الكثيرون النساء والفتيات اللاتي دوّنّ على الهاشتاغ بانعدام الحياء والانحلال، ذلك لأنهن ربطن بين الشهر الكريم وبين المتحرشين في الهاشتاغ، مع أن العديد منهن صرحت بأنه لا علاقة لرمضان نفسه بالأمر، وإنما رغبن أن يقُلن إن رمضان المتحرشين ليس بكريم على الإطلاق؛ لأنه لا كرم لمن يستبيح مساحات الناس الشخصية ويتدخل فيها بالتحرش الجنسي واللفظي، ولأن رمضان في الأساس قائم على التعبد والتقوى واحترام الغير، والكف عن أي أذى بالقول أو بالفعل، فكيف إذاً يكون رمضان للمتحرشين كريماً؟!

وبالطبع، وكعادة وقائع التحرش في بلادنا، تم لوم الضحية بشدة، بسبب وجود الكثيرات من غير المحجبات ممن دوّن على الهاشتاغ، باعتبار أن شعرهن مصدراً لإثارة الشهوات وتحريك المشاعر، وبالتالي يتوجب عليهن احترام أنفسهن واحترام الصائمين، وكأننا أمام أطفال لا يستطيعون التحكم في أنفسهم بسبب بعض السنتيمترات من الشعر المعقوص في شكل كحكة أو ذيل حصان، هذا بالطبع إذا ما فرضنا أن غير المحجبات فقط هن من يتم التحرش بهن، مع أنني كمحجبة ألاقي أشد الويلات في رمضان، والتي لا تقف عند حد التحرش من بعض المارة الصائمين الذين أفتنهم بشدة رغم ارتدائي لملابس واسعة وطويلة، وإنما تصل إلى حد اعتذار سائق ميكروباص عن ركوبي بجانبه؛ لأنه "ما بيركبش حريم جنبه في رمضان"، وكأنني رجس مثلاً أو نجس! مع أن هذا الكرسي كان الوحيد المتبقي، وتركني واقفة في الشمس الحارقة بانتظار ميكروباص آخر لمدة لا تقل عن ١٥ دقيقة، أبتعسيره عليّ هكذا قد ربح آخرته وفرح بصومه مثلاً؟ أم أن حجابي وملابسي الواسعة مثيرة للشهوات أيضاً؟ وإن كان جلوس النساء بالأمام بجانب السائق شيئاً يغضب الله ويبطل الصوم، لماذا يحرص السائقون في غير أيام رمضان أن يركب بجانبهم فتيات حسناوات تحديداً، بل ويحجزون المقاعد لهن؟! أم أن رب رمضان لا يرى ما يفعلونه في باقي العام؟!

لقد أصبح رمضان في مصر شهراً للنفاق الديني، يعتري فيه بعض الناس حمى أو سُعار جنسي غريب، يجعلهم ينظرون إلى النساء نظرة أكثر شهوة غير باقي العام، مع أن الأحوال لا تتغير، إلا أن النفوس تزداد ميلاً للمعصية، وإلى إلصاق معاصيها في الآخرين، وتعليق شماعتها على أجساد النساء، فما بال الصائمين من المسلمين في أوروبا إذاً، هل يمشون في الشوارع بغمامات سوداء؟ هل يتعدون على نساء أوروبا المكشوفات جداً لأنهم لا يستطيعون كبح شهواتهم في نهار رمضان، أو حتى في ليله، فكثير من الفتيات قد صرّحن بتعرضهن للتحرش أثناء ذهابهن لصلاة التراويح! أي منطق هذا؟! بل إن الأمر يتعدى التحرش إلى حد فرض العبادات على الناس، سواء أكانوا من المسلمين الذين لديهم عذر شرعي أو من غير المسلمين، فكم من حادثة تقع في الشارع لأن مسيحياً يأكل أو يشرب أو يدخن، ما بين رجل كبير في السن يدخن فينهره شاب ويدفعه ليسقط على الأرض، حتى يعلم نهايةً بأنه في طريقه لأخذ جرعة الكيماوي، أو رجل مسيحي وزوجته يرغبان في شراء زجاجة مياه لأنهما عطشانان، فينهرهما صاحب المحل قائلاً إنه يجب مراعاة مشاعر الصائمين، أي مشاعر هذه؟ ولماذا يدور الكون كله حولك؟ لماذا يجب أن يراعيك الجميع، مَن على سفر ومَن هي حامل ومَن هي حائض ومَن هو مريض ومَن هو مسيحي، أين إيمانك وجهاد نفسك أمام بعض الطعام والشراب؟ لماذا يُضطر كل هؤلاء إلى الإفطار سراً فقط لأن مشاعرك حساسة إلى هذا الحد؟!

إن الصوم تقوى، تهذيب للنفس من دنس الشهوات، تعويد لها على القدرة على الاستغناء عن أي شيء في سبيل طاعة الله، رقي بها وبالإنسان، وقد كنت أظن أن هذا سهل في ظل مساعدة الله تعالى لنا بتصفييده الشياطين، لكن بعد ما أراه وأعايشه في كل رمضان في وطني، أظن أن جهاد النفس أشد وطأة من جهاد الشيطان، وأن الإنسان ضعيف إلى الحد الذي إن رأى معه امرأة مهما كان شكل ملابسها فسد صومه، أو إن وجد أحدهم يأكل أو يشرب قامت القيامة ولم تقعد! ثم يلومون من تجرّأن على كتابك جملة "رمضانكم مش كريم" باعتبارها تجرؤاً على الإسلام وإهانة للدين وللشهر الفضيل!

إن الإهانة الحقيقية تأتي مما يفعله هؤلاء، وتأتي في تبريرهم لأفعالهم بالصيام، وفي إلصاق الآخرين لتهمهم في ملابس النساء، إن إهانة رمضان الحقيقية هي في التعذّر به لارتكاب الفواحش، باعتبار أن من يفعل هذا لا يستطيع أن يتحمل ولو شهراً واحداً ليصرف نفسه عن انتهاك حرمات الآخرين، وبالطبع ليس ثمة ملاحقة أمنية لهؤلاء، نظراً لأن الدولة في حد ذاتها تمارس الأبوية على الناس، وتقبض على المفطرين جهاراً، مع أن هذه علاقة بين العبد وربه لا يجوز التدخل فيها، ومع أن أغلب المفطرين يكون لهم عذر شرعي أصلاً، أو يعلق بعض أفراد الأمن على ملابس الفتيات وأشكالهن باعتبارهن سبباً في إبطال صيامهم، هذه هي الإهانة الحقيقية فعلاً لرمضان، لا في هاشتاغ يعبر عن الواقع ويصدمكم بما يحدث فيه، وما لا ترغبون في معرفته خوفاً من شعوركم بالعجز عن فعل أي شيء، والذي لن يحله نكرانكم له!



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لا بدَّ من ضمانات!

$
0
0
إشكالية متكررة يمكن رصدها في بحث الفتيات عن مساعدة؛ الثقة في غير موضعها، وعدم التحرز والاحتياط عند طلب المساعدة.. والتعامل مع الأشخاص بنظرة التقديس، وكأنهم منزوعون من دسومة شهواتهم، ربما يظن أنهم مخلوقات نورانية قادمة من مجرات أخرى!

فتاة تذهب لمختص كي يرشدها ويساعدها ويقدم لها النصائح فتقع في حبّه، فتاة مراهقة استغلها ممرض جنسياً حينما ذهبت لعيادة طبية تطلب استشارة حول مشكلة العادة السرية، وأخرى حاول الطبيب اغتصابها أثناء فحص كان يقوم به، وفتاة رابعة تصارح شيخاً ومسؤولاً تنظيمياً في جماعة ما عن مشاكلها الخاصة فتقع في علاقة معه، وخامسة مع مختص اجتماعي أو نفسي، والأمثلة أكثر من أن تعدّ أو تحصى.

من الطبيعي أن تحتاج أي فتاة إلى استشارة من وقت لآخر، ولكن ما العمل؟ هذه بعض المقترحات لتلافي الوقوع في هذا النوع من الأزمات المعقدة، ودعوني أكُن صريحاً معكم، رغم درايتي بأن هذه الصراحة مؤذية، وربما تكون صادمة لكل حالمة..

في البداية، عزيزتي الفتاة حينما تعانين من مشكلة ذات طابع عاطفي فابحثي عن فتاة مثلك تخبرينها وتصارحينها بتفاصيل حالتك.

أعلم أنك تفضلين رجلاً في الغالب بشكل غامض ربما يكون غير مدرك من قبلك، ولكن قد تدفعك نفسك للبحث عن رجل كنوع من التعويض عن الفقد العاطفي الذي تعانين منه، أنت في هذه الحالة ضعيفة ويمكن أن تتعلقي مباشرة بهذا الرجل الذي يساعدك.


أما في الحالات ذات الطابع الجنسي، فعليكِ أن تفكري مليّاً وعميقاً ودقيقاً قبل الإقدام والحديث مع رجل، والسبب أنك تكونين قد دخلت في حقل ألغام حقيقي، فالحاجات الجنسية لدى الرجال (كائناً مَن كانوا، ومهما بلغت درجة ورعهم وتقواهم) حاجات أساسية ومتفجرة، ودافعهم الجنسي قوي وضاغط، والشيطان أو نفسهم الأمّارة بالسوء تخبرهم في سريرتهم أنك فرصة وفريسة سهلة يمكن اقتناصها!

في داخل كل رجل ذئب يسمى الشهوة الجنسية، يستطيع الكثيرون ضبطه وتقييده، ولكن هذا الذئب الجامح يقوى حينما يستشعر وجود فريسة في نطاق سطوته.

وأزيد، حينما تلاحظين أن هذا الشخص تصدر منه تصرفات مريبة فعليك أن تقدمي سوء النية على الحسن منها.

إذاً الخلاصة ابحثي عن فتاة أو امرأة للمساعدة، ربما تقول إحداهن وماذا لو لم يكن هذا متوفراً؟ أي لم أجد امرأة يمكن أن تساعد؟ واضطررت للحديث مع رجل؟

في هذه الحالة ابحثي عن ضمانات؛ ضمانات مثل: وجود فتاة أخرى أو امرأة ترافقك وقت الحصول على الاستشارات، وابتعدي عن الخلوة الحقيقية أو الخلوة الافتراضية كما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي، أو اجعلي حسابك متاحاً لوالدتك أو أختك، أو فتاة تثقين بها وبأخلاقها، وأعلِمي السيد الخبير بذلك وأعني هنا (الطبيب، المختص، الشيخ، المسؤول..)، عليه أن يدرك أن أحداً ما يمكن أن يقرأ ما يكتبه ويتابع ما يفعله، هذه مساعدة له قبل أن تكون لكِ.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

برادايمنا.. منظور يجعلنا أكثر تطوراً

$
0
0
ربما يتساءل البعض حول طبيعة هذا العنوان "البرادايم"..
بداية عُرّف (البرادايم) على أنه مجموع ما لدى الإنسان من معلومات، وما يملكه من خبرات، وما اكتسبه من أنظمة ثقافية مرّ بها في حياته.


فالبرادايم هو المسار الذي نسير عليه كل يوم، والذي من خلاله يحدد تصرفاتنا وآراءنا في المواقف المختلفة التي نواجهها.

وضمن هذا التعريف يمكننا أن نفسر (البرادايم) على أنه الخبرات التي حصلنا عليها، والتي أصبحت الشيفرة الذاتية التي تُسير حياتنا في البيت، والشارع، والمدرسة، والعلاقات.. إلخ.

البعض الآخر أعطى للبرادايم تعريفاً آخر: وسماه (نظارة العقل)، وشرحاً لهذا المعنى يكون البرادايم هو نظام الرؤية الذي حصل عليه عقل الإنسان، ورأى من خلاله الحياة، فالشخص الذي وُلد فقيراً لديه انطباع حول الكعك مختلف عن رؤية الشخص الغني للكعك.

مدخل:

قبل الخوض في مادة البرادايم الشخصي علينا معرفة أن كل إنسان على هذه الأرض يعمل وفق صورته الذهنية تجاه الأشياء المحيطة فيه، وبذلك نرى أن طريقة التفكير هي المعيار الذي يحدد نجاح الأشخاص من فشلهم.

وهنا علينا معرفة آليات الإدراك تجاه الظروف والمواقف التي نمر بها، ومن ثَم حكمنا وتقييمنا للأمور، وعندها سيظهر سلوكنا الذي من خلاله تتحدد نقاط نجاحنا أو فشلنا.

برادايمنا:

عندما يظن الإنسان أنه لا يستطيع القيام بأمر ما فإنه لا يستطيع ذلك حتى لو كان قادراً في الحقيقة على أدائه؛ لذلك فإن نجاح الإنسان أو فشله يعتمدان بشكل كلي على نظام تفكيره، وهذا الأمر في الحقيقة هو الذي يرسم المعادلة الأولى في نجاح البرادايم الشخصي.

وهنا علينا أن نعي المعادلة الآتية:
فرص النجاح وفق البرادايم لا تعتمد على القدرات بالدرجة الأولى بل تعتمد على طريقة الرؤية للذات، أي كيف ترى نفسك.


بطاقات البرادايم الشخصي:

البطاقة البراديمية الأولى (افعل ولا تتكلم):

ضمن قواعد البرادايم العامة هناك قاعدة تقول: (لا تخبر الآخرين بأهدافك)، وسبب ذلك أن تترك أهدافك تتموج وتتوهج كالجمر بداخلك كي تحققها، فحين تخبر الآخرين بما تنوي فعله ستشعر بجزء جيد من لذة الانتصار جراء الكلام، وهنا ستبرد الجمرة المشتعلة بداخلك، وستشعر أنك حققت هدفك كلامياً، وبالتالي لن تعمل عليه فعلياً؛ لذا عليك أن تفاجئ كل مَن حولك بالفعل دون أدنى معلومة سابقة عن ذلك، وهذا ما يطلق عليه اسم "الشغف الذاتي"، اترك شغفك يحترق بداخلك إلى أن تفعلها.


البطاقة البرادايمية الثانية (الاعتمادية ببصمتك):

تعتبر هذه البطاقة مكملة للبطاقة السابقة (افعل ولا تتكلم)، وهذا الأمر ضروري جداً في حياة كل منا؛ لذا عليك أن تبدأ بطرح نفسك ضمن عملك كخلية يُعتمد عليها في الأعمال شديدة الأهمية والخطورة، واترك الخيوط معلقة بيديك، فجميع من حولك بالعمل أو خارج العمل عليهم أن يعرفوا مدى أهميتك العملية لهم، فأنت اليد اليمنى التي لا يمكن الاستغناء عنها أبداً.


البطاقة البرادايمية الثالثة (العزلة والانطواء القاتل):

حياتنا وعملنا تحتاج بصورة كبيرة إلى حالة اجتماعية توافقية واضحة، فلا تعتقد أن الانعزال عن المحيط، وعن الآخرين سيولد الحماية المطلوبة على العكس تماماً، العزلة لا تولد سوى الضعف الكبير وتبني جداراً عالياً مع مَن حولك، وسيرى المنعزلون أنهم فقدوا الكثير من الأمور في عزلتهم، بينما الشخص الاجتماعي يحصل على الفائدة والمعلومات بشكل متواصل.


البطاقة البرادايمية الرابعة (اعمل برشاقة الفراشة):

العمل برشاقة الفراشة هو أن تنجز عملك وتظهر وكأنه تم بشكل تلقائي، ووليد موهبة طبيعية دون أن تظهر للآخرين ما بذلت من تدريب وعمل وجهد، يجب أن يراك فريق العمل تذلل الصعاب بيسر وكأن في مقدورك أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، فلا تتحدث عن تعبك وجهدك فذلك يجعلهم يشككون بقدراتك المهنية، والشرط المتعلق بهذه البطاقة هو ألا تكشف أسلوبك وطابعك في العمل، فكشف بعض الخفايا التي تفعلها لإنجاز عملك قد يُستخدم مستقبلاً ورقة ضدك ضمن إنجاز المشاريع الأكبر والأقوى.

فالعمل في حياتنا المؤسساتية ضمن واقع البطاقات البرادايمية سيجعل عملنا أكثر تنظيماً ودقة ووضوحاً، وسيخلق لنا واقعاً قوياً بحيث نعمل كخلية ذات إنتاج عالٍ، بحيث نحصل على فائدة علمية ومعنوية مع كل إشراقة يوم جديد في حياتنا.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عندما يتحتم على الإخوان أن يتنازلوا عن شرعية الرئيس مرسي

$
0
0
يثور الحديث حول وثيقة للتوافق تصدر قريباً عن أطياف المعارضة المصرية، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين، وفي هذه الوثيقة تنازلٌ عن شرعية الرئيس مرسي.

وتتعالى الأصوات من داخل جماعة الإخوان المسلمين ومن مناصريها بالاستهجان الشديد، ورمي قيادة الإخوان، وعلى رأسها القائم بأعمال المرشد الدكتور محمود عزت وفريقه بالخور والهزيمة بل وبالخيانة.

وثار الحديث حول تسريبات لخطابات موجهة من هذه القيادة لصفوف وأفراد الجماعة، تحدّثهم هذه الخطابات عن توافق مع الأطياف المعارضة الأخرى على تكثيف الحراك ضد الدولة العسكرية القائمة، مع تجاوز شرعية الرئيس مرسي، وذلك لأن بقية القوى المعارضة تصرّ على هذا، ويبدو أنه لا طريقة للاصطفاف إلا بذلك.

تحضرني في ذلك القصة التي تقول: إن أحد علماء العروض جاءه يوماً رجل؛ ليتعلم العروض على يديه، ومرت الأيام في تعليم هذا الرجل، ولكنه لم يتقدم مطلقاً ناحية تحقيق هدفه، فلما يئس منه المعلم، طلب منه ذات يوم أن يُقطّع عروضياً البيت الذي يقول:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع

فعلم الرجل بمراد أستاذه، ووقف عند حقيقة نفسه، إذ أيقن أنه لن يصل إلى بغيته في تعلم هذا العلم أبدا، ولا بد له من أن يغير وجهته لغاية أخرى.

هذا هو حال الإخوان المسلمين الآن، فمنذ الانقلاب العسكري في 2013م وهم على حالهم في محاولة كسر هذا الانقلاب وإعادة الرئيس مرسي بشرعيته الكاملة.ولم يثنهم عن ذلك كونهم في الميدان وحدهم أمام آلة البطش العسكرية الطاغية.

وحاول الإخوان مع ذلك أن يتوافقوا مع بقية الطيف المعارض للدولة العسكرية، ولكنهم حاولوا ذلك على أرضية شرعية الرئيس مرسي، في حين أن بقية الطيف المعارض بدا منه أنه لا يقبل بهذه الشرعية، وليس مستعداً أن يُقْدم على أي حراك مشترك هدفه إعادة هذه الشرعية.

دعونا في البداية نؤكد على أن هذا من القوى السياسية المعارضة -بكل وضوح- هو من المضي في الغي والسفه.

هذه القوى هي التي ساعدت آلة الانقلاب العسكري في إتمام خطتها ومرادها، وقد ساعدت هذه القوى في ذلك بكل بلاهة وغباء، عندما وضعت يدها في يد أعدائها ضد رفقائها من الإخوان، والذين لم تكن ثورة يناير/كانون الثاني إلا بهم جميعاً.

وإذا كان الحديث يكثر من هنا وهناك حول أخطاء الإخوان التي أدت بالحالة المصرية لما هي عليه، فإن أخطاء هذه القوى الثورية المعارضة هي أضعاف أخطاء الإخوان، وإذا قيل إن الإخوان كانوا بلهاء في تعاملهم مع العسكر ومؤسساتهم، فإن هؤلاء من المعارضين الآخرين كانوا بلهاء سفهاء أغبياء.


وإن من أكبر السفاهة ألا يعتذر هؤلاء اعتذاراً رسمياً عن مواقفهم المخزية مع الرئيس مرسي ودولته.

وإن ذروة هذه السفاهة أن يصر هؤلاء على تجاوز شرعية هذا الرئيس المظلوم، من أجل إتمام أي اصطفاف ثوري للعمل والحراك من أجل إسقاط هذه الديكتاتورية العسكرية القائمة.

أقل ما يقال عن ذلك إنه سفاهة، لكن بعد تجاوز توصيف هذا والحكم عليه، لم يعد أمام الإخوان أي خيار آخر.

لقد جاءت القوى المعارضة بشروطها وهي في موضع القويّ المُشْترِط، ليس لأنها قوية حقاً، فلم يبقِ العسكر أحداً وبه رمق من قوة، ولكن قد ظهرت قوتهم أمام الإخوان؛ لأن الإخوان في أضعف حالاتهم، فحراكهم قد انتهى بالكلية، وتنظيمهم تشتّت، وقيادتهم مختلفة تتصارع وتتعادى.

الإخوان في حاجة كبيرة لهذا الاصطفاف، وهو الآن القشة التي عليهم أن يتعلقوا بها، فهم غرقى حقاً، وليس أمامهم إلا أن يوافقوا على شرط القوى المعارضة، وهو التخلي عن شرعية الرئيس مرسي.

ليس من الخيانة أن يقبل الإخوان الآن التنازل عن شرعية الرئيس، بل من العقل والحكمة ذلك، فلم تبق هناك شرعية للرئيس، فكل الحراك لإرجاع شرعيته قد توقف تماماً، وقد توثقت شرعية الدولة العسكرية القائمة محلياً وإقليمياً ودولياً.

إننا أمام وضع استثنائي محلي وإقليمي وعالمي، هذا الوضع مجملاً أصبح يؤكد أنه لا عودة لدولة الإخوان ولا للرئيس مرسي.

لا بد أن يتيقن الإخوان الآن أن أكبر أخطائهم كان الدفع بمرشح للرئاسة من بينهم، وهو خطأ منهم غير أنهم لا يحاسبون عليه؛ لأنهم دُفعوا إليه دفعاً. وعليهم أن يدركوا الآن أنه لا عودة لدولتهم ولا لرئيسهم في القريب، وليس أمامهم إلا طريق الاصطفاف والعمل الثوري العام مع بقية القوى المعارضة من أجل إعادة الثورة وإنقاذ البلاد من المصير المظلم الذي تسير فيه على أيدي هذا النظام القائم.

بين الجبن والحكمة شعرة، وإن أخشى ما يُخشى أن يظل قادة الإخوان خائفين وَجِلين من اتخاذ القرار الصحيح، خشية سهام النقد والتجريح من داخلهم وخارجهم، وخشية الرمي بالخيانة وغيرها من فريق القيادة الأخرى الذي ينافسهم على زمام الأمور، فإن لم يتخذوا القرار الصواب فسيضيّعوا منهم فرصة تضاف إلى فرص ضائعة أخرى سابقة.

وإن أكبر الشجاعة أن تُقدم القيادة على القرار الصائب مُقدّمة في ذلك مصلحة البلاد والجماعة على السواء غير مترددة ولا خائفة من قول هؤلاء ومزايدات أولئك، على أن يكون القرار في النهاية قراراً تقوم عليه المؤسسات لا الأفراد، وأن يأخذ حقه من النقاشات والشورى، وأن يعتمدوا في ذلك على الخبراء أهل الرأي، لا على أهل الثقة الذين لا يقولون إلا آمين إن أشار إليهم السادة داعين.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الحبُّ بكيمياء إلهية

$
0
0
حسناً لن أبتعد كثيراً عن فحوى المواضيع التي أكتبها، وسأعاود الكتابة عن الحب، الحب الذي نبتاعهُ أكثر من الخبر في عوالمنا الافتراضية وواقعنا المنسي، الحب الذي يوجد بالشكل الذي لا يجب أن يكون عليه، الحب الذي وإن وجدَ أصيلاً علينا أن نغرقهُ لنعيدَ تواتره لنحيا في إنسانيةٍ وجمال دفاق.

أحاول أن أكتبَ عن اللحظة التي تسبق هذا الحبَّ، وتحديد صيغ المعادلات التي ستقود إلى تفجّره بالصورة المتوازنة لضرورة وجوده، أحاول أن أخلق صيغاً لأمر لا يفضل أن يأتي وفقاً لمعادلات أو تراكيب معينة، لكن ضرورة الصورة المشوهة دفعتني لأكتب:

تخلقُ النظرةُ الأولى انطباعاً صورياً دفاقاً في عمق العقل البشري؛ لتتشابكَ وتتسع وتهدأ في خيالات البشرِ المتقدةِ والمحركةِ للشعور الأول في صلبِ الإحساس الإنساني؛ ليكونَ للنظرة أثر ليس هيناً في خلق الأرض والمساحة الممكنةِ للحب، وبصورة أعمق فإننا نحتاجُ لدافعية كبيرة ليولدَ الإحساس فينا، هنا بالمشهد التقليدي أتحدث عن النظرة، ولكن في عوالمنا المتقلبة قد يدفع الحرفُ كما يدفع الصوتُ كما يدفع الإنجازُ الشعورَ للولادة بالقدرة نفسها لخلق المساحة الممكنة لاستمرار دورة الحب وخلقه، وهكذا ينبتُ الشعورُ في دواخلنا ككيمياءٍ بدأت تتسللُ في حنايا أوردتنا لننتقل إلى مرحلة أخرى،

إما تفشي هذا الشعور وسيطرته، أو موتهِ بصورة لذيذةٍ لا تؤذي، فردود الأفعال هنا هي الضابط لهذه المرحلة فبينَ فعلٍ وردةِ فعل تبدأ هذه الكيمياء بالنضوجِ بالنمو والإثمار، وهنا تغزو صفةُ الرغبةِ وتبدو على هيئة تعقبٍ لا إرادي من القلب والجوارحِ لكل صاحب أثر تسبب بولادة الشعور، وتدريجياً وإن بدا التعقب من الطرف المقابل أيضاً سيعلو التنهيد في هذا التعقب؛ ليصبح اهتماماً ذا جهتين؛ ليسقي غراسَ الشعور الأول وينميه، وهنا أحرجُ المراحلِ وأكثرها دفئاً فهي المقود إلى اشتعال الفتيل في الحب واتقادِ نوره.

إن انتقاص أي جزء من قيمته في كل المراحل سيكون سبباً في الخلل القادم في صيغ الحب، وليكون قدرة الحب كبيرة على الاستمرار يعود الاهتمام في صيغٍ مختلفة ليغلف سلسلةَ الحبِّ ويروي غراسها.

هذا في صورة الحب الإنساني، والمتناقل بينَ روحيةِ الإنسانِ وبني جنسه، في صورة الحب الأصل تختلفُ كلُّ التراكيب والمعادلات؛ لأن علّة الصلةِ بينَ الإنسان وربهِ هي الحبُّ ذاتهُ، لا سبب ولا مسبب آخرَ لفحوى هذه العلاقة، وبابُ الحب الإلهي مفتوح لا يُغلق، لا يحتاجِ لردةِ فعلٍ أو فعل بذاته، فهو أصيل بعمر الخلق الإنساني ووجوده، فإذا أذنب العبدُ رأى باب الحب والرحمة ينتظره، وإذا أحسن فيغمرهُ الحبُّ أيضاً، والصورة التي أودُ أن أرسخها هي نسف كل المعادلات والتراكيب وإعادة حلول صورة الحب الإلهي وسمته الحقة في حبنا، بينَ أرواحنا نحن البشر؛ ليعودَ الفرع إلى الأصل بكيمياءٍ إلهية مباركة.






ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أشهرُ نساءِ الأندلس ويَومُ الطين!

$
0
0
بينما كان الأمير "محمد بن عباد" وهو ابن الخليفة المعتضد بالله، ملك إشبيلية بالأندلس، يتمشى مع صاحب له على ضفاف نهر الوادي الكبير بالأندلس - وهو نهر يوجد بجنوب إسبانيا حالياً - إذ وقعت عيناه على جارية جميلة، كانت تغسل الثياب على ضفة النهر، وكانت فتاة خفيفة الظل لا تفارقها الضحكات، فسمعها تُنشد بعضاً من أبيات الشعر، فافتتن بجمالها وذكائها ووقع في حبها، فسأل عنها، فعرف أنها جارية في أحد بيوت الناحية، فأرسل ليخطبها لتكون له زوجة، وكانت هذه الجارية هي "اعتماد الرميكية"، أشهر نساء الأندلس!

وقد عُرف عن الأمير حينها أنه لا يصبر على فراقها ساعة، وكان يكنّ لها محبة خاصة، حتى إذا مات أبوه "المعتضد" وتولى من بعده الحكم اشتق لنفسه لقب الملك من حروف اسمها، فسمى نفسه "المعتمد بالله بن عباد"، من اسم زوجته "اعتماد"، التي كانت جارية سابقاً، فوهبها حريتها بعد أن تزوجها؛ لتخلد محبته لها في أخبار التاريخ؛ حيث عاشت معه في رفاهية وعز فاق الوصف، حتى إنه كان لا يرد لها طلباً ولا يُغضبها أبداً!

وفي يوم من الأيام رأت "اعتماد"، الجواري وهن يخضن في الطين وقد شمرن عن سوقهن وسواعدهن، فحنّت إلى ماضيها، فقالت لزوجها المعتمد بالله بن عباد:

- أشتهي أن أفعل أنا وبناتي كفعل هؤلاء الجواري!

فما كان من "المعتمد بن عباد" إلا أن بادر إلى تلبية طلبها، ولكن بطريقته المعهودة من البذخ الذي عُرف عنه؛ حيث أمر بكمية ضخمة من العنبر والمسك والكافور، فسُحقت جميعاً ثم عُجنت بماء الورد، لتكون في هيئة طين نشره في ساحة قصر الحكم؛ كي تخوض زوجته اعتماد وبناتها الأميرات فيه، حتى خضن فيه وهن في غاية السعادة، والعجيب أن رائحة المسك والعنبر ما زالت تفوح من ساحة هذا القصر حتى اليوم!

وكان ابن تاشفين، ملك المرابطين، قد قرر الهجوم على إشبيلية ولم تكد المعارك تبدأ حتى انتهت باستسلام المعتمد بن عباد، وسقط أسيراً في يد ابن تاشفين، الذي قتل كل أبناء المعتمد ولم يترك له إلا زوجته وبناته، ثم قرر نفيهم جميعاً إلى بلاد المغرب في مدينة "أغمات" المغربية، وقد حُمل المعتمد على بغلة واحدة يركبها هو واعتماد وبناتهما بالمشاركة بينهم إمعاناً في ذلهم، بينما حرس المرابطين يركبون الخيول، ثم أسكنهم في بيت وضيع في المدينة، ووضع عليه حارساً غليظ القلب، وقيد قدمَي المعتمد بالحديد حتى لا يَخرج من البيت!

ولم يكتفِ ابن تاشفين بذلك بل منع عن المعتمد المال والطعام، فأصبحت بناته حُفاة في ملابس رثة، يغزلن الغزل، تذهب إحداهن به إلى السوق، فلا تجد مَن يشتريه منها، وأصبح الناس يتصدقون عليهم بالمال والطعام والملابس في الخفاء، كل هذا وقد كانت البسمة لا تفارق وجه "اعتماد الرميكية"، حتى في أشد أوقات البؤس والشقاء والألم التي مرت بها وببناتها مع زوجها المعتمد في منفاه، وظلت كذلك حتى آخر لحظة في عمرها!

ومما يروى في الأثر أنه قد حدث شقاق وخلاف بينها وبين المعتمد، فقالت له يوماً:

- يا ويلي يا معتمد، إنني حقاً لم أرَ منك خيراً قط!
فقال لها باكياً:
- ولا حتى يوم الطين؟
وقد قصد بذلك اليوم الذي صنع لها فيه الطين من العنبر والمسك والكافور كي تلهو فيه في ساحة قصره في إشبيلية!
فبكت "اعتماد" واعتذرت له!


والأعجب أن "اعتماد الرميكية" قد ماتت قبل المعتمد بأعوام، فكَتب على قبرها تلك العبارة التي ما زالت هناك شاهدة على قصة حب خلّدها التاريخ:
هنا قبر اعتماد الرميكية، زوج المعتمد، التي شاركته في نعيمه وبؤسه.


2017-05-17-1495059204-9513609-img_0225.jpg




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زمرة الدم A خوف.. مذكرات سوري في مطار خارجي

$
0
0
لأننا نشأنا وكلابُ البعث تَنبُحُنا عند كل شيء وفي كل شأن لنا.
ولأننا كبرنا ونحن ننظر إلى الشرطي يصفّر لمخالفة المرور فنخالها دعوةً إلى أحد أقبية المخابرات.

ولأننا كنا نقف في طابور الاجتماع الصباحي وأمامنا مدرّب الفتوّة -وليست فتوّة؛ بل رعب- بلباسه العسكري، يلبسه لأن لابسَ البدلة مرهوب مخوف، فنردِّد كالببغاوات ما يهذي به من آيات بعثية شيطانية.

ولأننا نراجع دائرة النفوس فندخلها وعبقُ الاستخبارات النَّتِن يفوح منها، أو نذهب لتثبيت زواج أو طلاق في المحكمة، فنجد الهالة الإرهابية تحوط المحكمة والنفوس؛ بل تغلّف بإرهابها كل مرافق حياتنا.

حتى مَن يتركون له لحظة يتنفس فيها، فيفكّر في بناء عشّ يبيت فيه مع أفراخه، فيذهب إلى التسجيل على الأسمنت، فيدخل في تحقيق أمني لا اقتصادي عن الكمية التي يطلب، وربما يخرج بالأسمنت مع بطاقة شكر؛ لأنه يبني ويعمّر عليها (تهمة تهريب أسمنت للعدو) في البلد المجاور لنا بعد ربلة وجوسية!

ولأننا كنا نذهب إلى معرض الكتاب الدولي في الشام، فنشتري الكتب ونتخفى بها؛ لأن مَن يقرأ ويتنوّر له مكافأة من الدرجة الأولى؛ تقرأ وتستنير ونحن هنا! أمَا علمتَ أن التسبيحَ بحمدنا والتهليلَ يُغنيك ويَكفيك! فلتكن مكافأة مَن يقرأ كيسٌ (شوال بقلم أحمر للحنطة) تضعونه فيه، فلا تتبدَّد بَركة ما يقرأ ونخسر.

ولمزيدٍ من الفائدة، ولأنه يعشق الكتب والتنوير هاتوا كتبه معه، لا تميزوا ما اشتراه تهريباً من الأعراب الأعداء في جزيرة العرب مما سمحنا بطرحه في المعرض الدولي للكتاب، الذي نُقيمه نتباهى به أننا ندعم العلم والثقافة، فصدَّقُوا الدعوى وأحبّوا القراءة.. يا عيب الشوم! لكنها جيدة؛ فقد رمَينا الطعم، فأسرعت الأسماك نحوه، فجمَعْنا عصافير كثيرة في رمية حجر، وفوقَها بدَّدْنا أموال المندسّين في أمور نصادرها، فلا ينتفعون بها في تفخيخ السيارات، ونحفظهم وكتبَهم في الزنازين فلا يعملون على تفخيخ العقول!

ولأننا عِشْنَا ورخصةُ محل الفلافل تصدر من التموين العسكري، عفواً من الأمن العسكري، ومَن يتقدم لوظيفة عليه إثبات ولائه لسيد الوطن الذي اغتصب الوطن والمواطنين، ويثبت براءته من الأفكار الهدّامة، إسلاميةً كانت أو يساريةً، دون أن نختلف في شهادته؛ فالولاء للوطن ولمتغصِب الوطن أهم من شهادات ورقية لا تنفع، وإن لزم الأمر فهي إنما تصدر عن إرادتنا السامية فنتفضل بها على المفلسين، عفواً على المخلصين!

ولأننا عِشْنا والرجلُ يُوقع بأخيه أو أبيه أو ذَوِيه قربانَ نفاق يصعد فوق جثثهم أو عذاباتهم؛ ليترقى عند سيد الوطن وكلابه! بل والزوجة تهّدد زوجَها -إن تزوّج عليها- بالأمن العسكري والسياسي وأمن الدولة! فعشنا والحيطان لها آذان، والهاتف يتكلم ويتسمّع وإن كان لا يرى وبالكاد يسمع.

لأننا عِشنا كذلك، فلا غرابة أن نقف في طابور ختم الجواز في دولة محترمة، فيقلّب موظف الأمن العام في الجواز، فنبدأ التلفّت: جاءوا ليمسكوا بي؟ فإنما يقلّب ليكسب وقتاً ريثما تصل (الستيشن البيضاء) وفيها الشبيحة.. لا لا.. فالرجل يضحك! نعم، يضحك حتى لا ترتبك أكثر وتطمئن فيسهل القبض عليك! لا.. لا، الرجل ختم الجواز وسلّمَنيه! نعم، حتى تمشي ويقبضوا عليك بعد الختم دون إحداث (شوشرة).. ممكن!

تمشي وتتلفت: أيٌّ من هؤلاء المدنيين في لباسهم هم المكلّفون القبض عليّ؟ لعله ذاك الملتحي؛ شكله لا يريحني.. لا.. فقد ذهب ودخل بوابة طائرة أخرى.

نعم نعم، هو ذاك الشاب الذي يبدو شكله غريباً، طلبوا منه تغيير شكله فلا يدعو للريبة، لا .. لا؛ إنه ينتظر حبيبته، جاءته فأخذها في حضنه، وبقيتَ تنظر إليهما.. عيب.. أستغفر الله.

يا ربّي! كيف غاب عني أنهم قد يرسلون ضابطاً لاعتقالي لكوني أستاذاً جامعياً! فهو ذاك الرجل الشايب الطويل صاحب البدلة الكحلية وله رتب عسكرية على كتفيه، ومعه مرافقوه يلبسون مثله؛ يا ربّ اصرفه عنّي، وأغمضت عيوني ليسهل الخَطب، فمرّت لحظات كأنها سنوات، فتحت عيوني، فوجدتهم قد تجاوزوني، إنهم يفسحون له؛ إنه الطيّار ومعه مرافقه وطاقم المضيفات! الله المستعان.
فأيّهم؟ أيّهم؟ ولخوفي وارتباكي كدت أناديهم: هأنذا تعالوا فاعتقلوني.

اقترب موعد الطائرة.. هل يُعقل ألا يعتقلوني؟! هل تكون تلك المرأة التي تتقدم نحوي ومعها.. معها شيء؛ هل هو مسدس أم كلبشة؟ لا.. لا.. هي موظفة بيدها ختم جاءت تسألني عن وقوفي مكاني من نحو نصف ساعة، والناس تصعد الطائرة، وأنا أتنقّل في النظر بين هذه وذاك، لا أعرف عمن أبحث! والبوابة تكاد تغلق لتقلع الطائرة.

نعم نعم؛ أنا في هذه الطائرة إلى أوسلو وهذا جوازي وتذكرتي.. عذراً عذراً، سوف أصعد.. سوف أصعد؛ فصاحبي الذي أنتظره قد تأخر!




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مع فارق التوقيت

$
0
0
يربكنا الوقت لدرجة أنه يحدد وقْع خطانا، "لقد تأخرت.. "، "من المبكر أن.."، جميعها أحكام مع فارق التوقيت. نظن أننا قد أضعنا الوقت المناسب لفعل ما نريد أو ما زلنا نمتلك منه الكثير حتى نبدأ بفعل ما نريد، في الحالتين توهمنا امتلاك ما ليس لنا.

الوقت لا نمتلكه، نحن فقط نستشعر مروره، فلماذا نجعل رغباتنا، وأفعالنا ووجودنا رهيناً بما لا يمكننا السيطرة عليه؟!

نحن نمتلك فقط "الآن": اللحظة التي تعيشها الآن والتي اخترت أن تمضيها في قراءة هذه الكلمات. نحن نمتلك لحظة الحاضر، فيها يمكننا السيطرة على نسق الأحداث وتوجيهه.

"الآن" كان مستقبلك وسيصبح ماضيك، كنت تتوق إلى اكتشاف ما يحمله لك وقد تصبح تتفادى مروره بذاكرتك.

الخط الفاصل هو تحكُّمك في لحظة الحاضر؛ ففي ظل انشغالك بتوقعات مستقبلك وتحسُّرك على ماضيك تفقد التحكُّم في حاضرك وتعيش مع فارق التوقيت المزمن!

لكن، لماذا نعيش مع فارق التوقيت؟ لماذا نفعل الآن ما يتوجب فعله في وقت آخر، حالة أخرى، وضع آخر؟!

لماذا نفعل ما لا نريد ونريد ما لا نفعل؟! لماذا نرغب في العطاء في فقرنا ونمتنع في غنانا؟! لماذا نكون جبناء في قوتنا ونبحث عن الشجاعة في ضعفنا؟! لماذا نهرب في المواجهة ونواجه في هروبنا؟ لماذا نتشابه في اختلافنا ونختلف في تشابهنا؟! لماذا نحب عندما نكره ونكره عندما نحب؟! لماذا نبحث عما نفتقده ونفقد ما نملكه؟! لماذا نمنح الأشياء قيمة بعد زوالها؟ لماذا لا نكمل ما بدأناه ونبدأ ما لن نكمله؟

لماذا لا نستوعب وضعنا ونتعامل معه ببساطة ونستمتع بجميع تفاصيل يومنا؛ لأنها لن تمنحنا فرصة أخرى لعيشها؟!

إن جميع لحظاتنا غير قابلة للاستهلاك المتكرر، فقط حاول أن تستمتع بيومك: لا تنظر إلى ما فاتك منه ولا تنشغل بتوقُّع ما سوف يفاجئك به الآتي منه، فقط لحظة الحاضر.

ثمِّن ما لديك؛ لأنك لن تحصل على المزيد، لكن إن لم تكتشف ثراءك فقد تجد نفسك تتمنى ما كان أمامك وأضعته!

ولاستمتاعك بحاضرك اجعل هدفك دليلك.. استثمر كل لحظة للوصول إلى هدفك؛ فالعيش لا يمكن أن يكون هدفاً في حد ذاته. لا نستطيع أن نلامس هدفنا في معيشنا، فنحن نحتاج تلك المسافة التي تفصلنا عنه حتى نُستنزف فيها ونقدم قرابين تجعل الطريق مكافأة بلوغنا نقطة الوصول.

لذلك، من جعل العيش هدفه فسيلامسه عندما لا يملكه وسيكتشف أنه استنزف عيشه بحثاً عن مكسب يُختزل في حقيقة: العيش وسيلة تحقق خلودك.

فاترك كل يوم بصمةً تخبر المارين بأنك عبرت من هنا؛ حتى لا تكتشف متأخراً أنك عبرت ذلك الطريق، لا لتصل لنهايته؛ بل لتكن جزءاً منه.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صناعة الخوف

$
0
0
الخوف أقوى أعداء العقل دون منازع، فنادراً ما يتغلب العقل أو على أقل تقدير يحتوي الخوف، لكن غالباً ما ينجح الخوف في السيطرة وإغلاق العقل تماماً.

يقول السياسي الإيرلندي أدموند بيرك إنه ليس هناك شعور يسلب العقل كل قوى التصرف والتفكير بصورة مؤثرة مثل الخوف!

وذكر الفيلسوف الروماني لاكتاتيوس، منذ قرون، أن الخوف والحكمة لا يجتمعان في مكان واحد.

لم يعد الخوف مجرد أعراض نفسية يهتم بها علماء وأطباء النفس؛ بل أصبح صناعة تحترفها الأنظمة الاستبدادية، سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية أو مدنية. تحدثت ناعومي وولف، في مقال لها بجريدة الغارديان عام 2007، عما سمته "تصنيع الفاشية"، أو ما يُعرف اليوم بـ"صناعة الخوف"، والتي هي على ما يبدو امتداد لقاعدة ميكافيللي الذهبية: "من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبوك".

يمكن للخوف -تحت ظروف معينة- أن يقنع الكثيرين بالتنازل عن الحرية مقابل وعود جوفاء بالأمن والقوة، وهذا دأب القادة والسياسيين عبر الزمن، ويتغير شكل الخوف المُصدر بما تقتضيه الظروف والجماهير المستهدفة عبر العصور.

فالخوف في زمن حرب الثلاثين عاماً بأوروبا كان الساحرات، وفي ألمانيا النازية كان الشيوعيين واليهود، وعند إسبانيا "فرانكو" كان الهوية والبربرية، وتغيّر عبر الزمن حتى وصل في وقتنا هذا إلى فزاعة العصر "الإرهاب".

إنها الخطة القديمة الجديدة، خلق تهديد مرعب وغير مفهوم بشكل كبير؛ خطر الإرهاب-الشيوعية-المؤامرات الخارجية-البربرية... فهم يعلمون جيداً أن الناس لديهم الاستعداد للتضحية بحريتهم إذا شعروا بأنهم في خطر حقيقي؛ بل لديهم استعداد كامل لتقبُّل الممارسات الدموية للسلطة الحاكمة طالما تتم في حق غيرهم.

لا يمكن نشر الخوف بين الجماهير دون تجسيده في صورة أعداء داخليين وخارجيين، عندما يخاف الناس -كما أسلفنا- فإنهم يكونون أكثر استعداداً لقبول إجراءات تنتقص من حرياتهم الشخصية؛ بل حتى من مقومات حياتهم الأساسية.

ففي الوقت الذي كان "يلتسن" يدكّ فيه البرلمان بالدبابات، كان يمرر القرارات الاقتصادية التي أفقرت الشعب الروسي؛ قانون الباتريوت الأميركي المشبوه الذي سلب الأميركيين حرياتهم الشخصية، تم تمريره في أعقاب أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول، تحت مبرر الاستعداد للحرب على الإرهاب؛ "لينكولن" نفسه فرض الأحكام العرفية في أثناء الحرب الأهلية؛ حريق الرايخستاج في 27 فبراير/شباط 1933 تم اتخاذه ذريعةً لقمع الشيوعيين الألمان وتعزيز سيطرة النازيين على مقاليد الحكم في ألمانيا.

ولا تستطيع أي دولة أن تسيطر على الجماهير دون أن تُحكم السيطرة على ما يلقى في عقولهم، أي التحكم في وسائل الإعلام. جميع الديكتاتوريات فعلت ذلك: إيطاليا في العشرينات، وألمانيا في الثلاثينات، وألمانيا الشرقية في الخمسينات، وتشيكوسلوفاكيا وديكتاتوريات الشرق الأوسط العسكرية في الستينات، وديكتاتوريات أميركا الجنوبية في السبعينات، والصين وروسيا، وغيرها الكثير.

وعبرها يتم استهداف الرموز المعارضة للحكم من مختلف التوجهات، والتحريض عليهم عبر وسائل الإعلام؛ ما يجعل الناس يشعرون بأن الكل مستهدَف بعد تعرُّض الرموز -التي في العادة ما تكون مقدسة لدى الجمهور- للنقد والاتهام، وأن السلطة لن تتهاون مع أحد في الحفاظ على مصالحها، بالإضافة إلى هدف آخر؛ وهو جعل فئة كبيرة من الناس تصدّق وتقتنع بكل ما يُبث من أكاذيب وتحريض.

ولا تكتفي الدولة المستبدة بالمعارضين فقط؛ بل توسِّع دائرة الخوف لتطول المتعاونين والأقارب أو حتى المتعاطفين معهم، وهي أمور نشهدها في زمننا هذا، فلا يمكن أن يتعاطف الناس مع خائن أو عميل -بحسب تصنيفهم- يعمل ضد مصلحة البلد، أو يتعاون مع أعدائها.. المهم أن تتسع تهم الخيانة والتجسس لتصبح فضفاضة إلى أقصى قدر ممكن.

وما يجعل عمليات التحريض أكثر النقاط خطورةً -يقول عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون- أن الجماهير لا تفكر عقلانياً عند تلقيها المعلومات، فهي تتبنى الأفكار مرة واحدة أو ترفضها دون مناقشة أو اعتراض، ودائماً ما تتبنّى الجماهير العواطف العنيفة والمتطرفة، فالتحريضات المؤثرة عليها تغزو عقلها وتجعلها تميل إلى التحول لفعلٍ وممارسة فوراً.

وتعزز الدولة سيطرتها، عبر استصدار القوانين الاستثنائية أو ما يُعرف بـ"حالة الطوارئ" التي أصبحت حجة تتخذها الحكومات لتمرير أي إجراءات، ويمكن أن تستمر حالة الطوارئ هذه أشهراً، أو سنوات، وربما عقوداً أحياناً..!

الأمر كله صراع نفوذ وتصفية حسابات، عبر زرع مستبد جديد أو تبييت آخر في حُكمه، والمتضرر الأول والأخير هو الشعب الذين -بكل أسف- هو جزء مساهم في هذه اللعبة القذرة.

أختتم مقالي هنا بما قاله الشاعر والكاتب الإسباني فرناردو آرابال للجنرال فرانكو، في رسالة يذكِّره فيها بما جَنَتْه إسبانيا من الحرب الأهلية:

"مناخ من الفوضى وانعدام الأمن كان يعصف بإسبانيا، هذا ما بررتَ به انقلابَك العسكري وقلْت حينها إن إسبانيا كانت بربرية صرفة!

إنك أنت من أتى بالبربرية، تلك التي كانت في عصر ملوك الكاثوليكيين والاستبداد الديني، فأنا لا أعتقد أن هناك أخياراً وأشراراً، هناك فقط عنف أعمى وضحية مغمورة بالرماد".




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الجسد والعمارة.. سجن الأنثى واستلاب الحرية

$
0
0
في السنوات الأخيرة، تابعنا بشغف "باب الحارة"، تعاطفنا مع رجال الحارة القبضايات، وعشنا تفاصيل النسوة في بيوتهنّ، دخلنا مع أبطال المسلسل بعد أن أخذنا الإذن بتلك الحشرجة العالية وكلمة "يا دستور"، وبعد انتظارنا لبضع ثوانٍ أو دقائق في باحة صغيرة، تفصلنا عن فناء البيت حتى لا ننتهك حرمة المنزل، ندخل المنزل بعد أن اختفت النساء من باحة المنزل.

نحن إزاء مشهد ذكوري واضح رغم تعقيداته تدور كلّ أحداثه في المنزل؛ حيث وظفت العمارة -قبل ظهور الحركات النسوية وتداول قضية تحرير المرأة وقبل خروج المرأة إلى سوق الشغل- لصالح الثقافة الذكورية الطاغية على ذلك الزمن، دون أن تتنفس المرأة أو تناضل من أجل حقوقها وتدين الثقافة الذكورية على عكس أيامنا هذه، هذه الثقافة التي هيمنت على المرأة واعتبرتها تابعاً وملكاً خاصاً للذكر، لا يختلف كثيراً عن بقية الأمتعة الأخرى، فقد تعامل الذكر المسلم مع الأنثى بصرامة حتمت عليها أن يكون الحجب قدرها، فحجاب رأسها لا يكفي ولا يجعلها آمنة من مطمع الغرباء، بل يجب أن تحجب في البيت، وضمن وحدات مورفولوجية مدروسة بشكل جيّد، تسيطر على تنقل المرأة دون أن ينتهك العرض، عرض العائلة، بمجرّد رؤية الغريب لها.


في هذا السياق نستحضر جملة الآيات القرآنية التي يستند عليها الكثير من الفقهاء لتبرير محاصرة المرأة بالحجب والحجاب "وإِذا سألْتموهُنَّ متاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" (سورة الأحزاب "53")، "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" (الأحزاب 33) وغيرها من الأحاديث النبوية التي تشرع ضمنياً لحبس النساء في البيوت مثل "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، أو "النساء حبائل الشيطان"، وما جعل الفقهاء الأوائل يمنعون خروج المرأة دون حاجة أكيدة، أو كشف هويتها الجسدية للغريب حتى لا يطمع فيها فهي موطن فتنة وتثير الشهوة في الرجال، وحبسها في البيت وخروجها بأمر وليّ أمرها أي زوجها أو والدها شرط أساسي.

لم تختلف البيوت في تونس ودمشق وبغداد وغيرها من الدول عن بعضها في الشكل، فقد اتفقت بشكل معماري صريح أنّها وُظفت أساساً لوظيفة واحدة بالغة التعقيد، وهي المحافظة على الحريم سجينات البيوت، وحماية الشرف العائلي، خاصة أنّ أصل كلمة الحريم مشتقة من الحرمة والحرام، وهو ما يجعلها ذات معنى قدسي، فوظيفة البيت في العمارة العربية الإسلامية هي الستر.

يضمّ كلّ بيت فناء أو حوش، يفصل بين الغرف والسقيفة وباب المنزل؛ ليضمن تحرّك المرأة في فضاءاتها الخاصة بأريحية دون أن يتداخل بوجود الرجل الغريب، فهو يقوم بعازل حقيقي للسكان عن حركة المجتمع على حدّ عبارة الباحث العراقي شاكر لعيبي، فيصبح فناء البيت فسحة لسجينات السلطة الأبوية، وسجينات الفضاء الذكوري، فرصة للتمتع بالتهوية والضوء.


نجد في البيت الدمشقي النافورة، وهو ما يدخل ربّما في تحسين شروط العبودية بإضفاء الترفيه على المسجونات، وذلك بتزويق المنزل بالنافورات وأصص الزرع، ونجد في البيت التونسي الماجل، وهو بئر عميقة يزوّد البيت بالماء الصالح للشراب، وهو ما يلغي تماماً خروج المرأة في غياب الرجل لجلب الماء، فكلّ شيء متوفر في المنزل، ويصبح الفناء المتنفس الوحيد تطوف به المرأة لتتمتع بالشمس والهواء والسماء، وكما يطوف المؤمن بالكعبة ليتمتع براحة نفسية يحس المؤمن أنّه قريب من الله، ستحسّ المرأة أنّها تتملك الحرية أو قاب قوسين منها.

أشارت الباحثة التونسية تراكي زناد في كتابها "الرمزية الجسدية والفضاء العربي الإسلامي" إلى أنّ المرأة عوضت سجنها في البيت بسلطة جعلتها صاحبة الأمر والنهي في فضائها الخاص، فهناك أمكنة قدسية يحرّم دخولها على الكبير والصغير إلا بشروط خاصة، على سبيل المثال "بيت المؤونة"، وهو ما سمته زناد بـ"الديار المقدسة"، فلم تكن المرأة ملكاً للرجل، بل قلبت المشهد ليصبح السجن ملكاً لها، تتصرّف فيه كما تحب، ووحدها تعرف ما ينقصه وما يزيد عن حاجته.

وفي هذا الإطار أشار شاكر لعيبي في كتابه "العمارة الذكورية" أنّ البيت يشكل للمرأة العربية حميمية، وهو ملكها الخاص الذي تتمتع به فقد "صمم الرجل المنزل وسيّجه بالحيطان الخارجية وترك داخله لها (أي للمرأة).

يشكل البيت في الثقافة الذكورية حصناً ذكورياً يحاول فيه الرجل أن يحافظ على عفته بحراسة حريمه من العين المتلصصة، والأخرى المشتهية التي يمكن أن تخترق أحد أجساد حريمه، فيتلطخ شرفه وشرف كلّ العائلة، ما يتسبب بأن ينغلق الفضاء على الحريم، ويطبق بين جدرانه على الشرف حتى لا يهتك.

ومع تشكل معالم الحداثة في الدول العربية، تمّ التخلي تدريجياً عن العمارة القديمة، فكما وصلت الإنترنت والموضة إلى هذه الدول أصبحت حرية المرأة واقعاً مفروضاً، على عكس السنوات الأخرى، حتى وإن كانت الحرية ظاهرية لم تنفذ إلى باطنها، لكن المرأة تخلصت من سجن العمارة الذكورية، وأصبحت تعيش في بيت لا يضيق بها ولا يحبسها من الذكر الغريب، بل بالعكس أصبحت تتشارك الفضاء الخاص مثلها مثل الرجل، تقتحمه متى شاءت، وتخلَّى الذكوريون عن "يا دستور" لتعوض نقرة الناقوس كلّ شيء.

- تم نشر هذه التدوينة في موقع ألترا صوت


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات "هاف بوست" لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
Viewing all 13463 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>